كتَـــــاب الموقع

سلامي على معمر القذافي

عمر أبو القاسم الككلي

منذ البداية، حرصت على ألا أكون أنا ومعمر القذافي في مكان واحد. أظن أن وراء ذلك العزم أكثر من دافع.

فهناك عنصر هيبة السلطة والعجز أمامها. وهناك عنصر الخجل الذي كان يكتنف شخصيتي (تغلبت عليه لاحقا بصعوبة بالغة). وهناك عنصر التحفظ الذي يسم شخصيتي والذي جعلني، رغم قبولي بمبدأ الثورة، أحجم عن الاشتراك في أية مظاهرة أو مسيرة تأييد لحدث التغيير الذي وقع في 1/ 9/ 1969.

لذا تجنبت حضور المناسبات التي يمكن أن يحضرها معمر القذافي.

إلا أننا وُجدنا، بالصدفة، ثلاث مرات في نفس المكان.

وأبدأ من المرتين الأخيرتين.

بعد خروجنا من السجن تعمدت، شأن رفاقي من الكتاب والأدباء، إثبات حضوري في الملتقيات الأدبية، إذ كان “يهمني إيصال هذه الرسالة إلى الذين سجنوني: لم تفلحوا في تدميري!. […] وكذلك إيصال رسالة طمأنة إلى أصدقائي: لم يدمرني السجن، لقد صارعته و عدت لكم منه بغنائم مهمة!”*.

لذا كنت موجودا وعضوا في الوفد الليبي في المؤتمر السادس عشر لاتحاد الأدباء والكتاب العرب الذي عقد في طرابلس سنة 1988.

وبينما كنت حاضرا إحدى الجلسات في قاعة الشعب، دخل فجأة، وكالعادة، معمر القذافي، واستولى على المنصة، إذ إنه، كما هو معروف، ممسوس بالمحاضرة في الكتاب والأدباء والمثقفين والأكاديميين.

قبل ذلك بحوالي عشر سنوات، في نشاطات “احتفالات السابع من أبريل” سنة 1978 بجامعة قار يونس، آنذاك، جامعة بنغازي قبل 1969 وبعد 2011، دخل معمر القذافي فجأة، كالعادة طبعا، مدرج كلية الآداب الذي كان يجرى فيه أحد النشاطات.

لكنه هذه المرة، وعلى غير العادة، لم يستولِ على المنصة وناقل الصوت!.

المرة الأولى كانت في الشهور الأولى من سنة 1970. كنت حينها منضما إلى فرقة مسرحية اسمها “الجيل الصاعد” التي كان مديرها حينها الفنان التشكيلي علي بركة. كان أحد الضباط العسكريين الكبار (أظنه كان متقاعدا حينها) وكان قريبا لأحد أعضاء “مجلس قيادة الثورة” وصديقا لمدير الفرقة يتردد علينا.

باقتراح من هذا الضابط أخذت الفرقة تقدم بعض المشاهد التمثيلية البسيطة وغيرها من النشاطات الثقافية في معسكرات الجيش.

أول مرة، وفي إطار هذا النشاط، ذهبنا إلى المعسكر المعني لمعاينة المسرح الذي سنقدم عليه نشاطاتنا.

استقبلنا القائمون على المعسكر بتقدير وأجلسونا في بهو الضباط.

فجأة، دخل معمر القذافي. استقبله الضباط باهتمام (لم تظهر تقليعة الهتافات حينها). أحد زملائنا اقترح أن نذهب لنسلم عليه.

كنا في صف من حوالي ثمانية أشخاص، وكان معمر القذافي واقفا بعوده النحيل يفتعل ابتسامة مجاملة ويصوب نظرة فاحصة. لم أكن في مقدمة الصف. الذين قبلي كانوا يمسكون يده بيديهما الاثنتين ويعانقونه. فاستجاب لذلك بحركة تلقائية. يمد يديه للتسليم مائلا بقامته إلى الأمام قليلا ليمكن الشخص من معانقته.

حين جاء دوري، سلمت مثل الذين قبلي، وعندما مال بقامته ناحيتي، لم أعانقه!.

* من مقابلة معي نشرت بداية 2008 في أكثر من موقع إلكتروني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى