أخبار ليبيااهم الاخبار

سلامة القابسي يتحدث لـ218 عن “غناوة العلم” ورحلته مع الشعر الشعبي

خاص| 218

عصام جاد الله

يعد موروثنا الشعبي غنـيًا بفنون مختلفة تعكس عمق التاريخ الأصيل لليبيا، ويعدّ الشعر الشعبي وغناوي العلم، وصوب خليل والشتاوة والكشك والطق والمجرودة وغيرها من أهم تلك الفنون الشعبية التي مازالت مستمرة حتى اليوم في أغلب الأعراس والمناسبات الاجتماعية.

لو تحدثنا بشكل أوسع عن غناوة العلم الموجودة بكثرة في بلدات خليج السدرة امتدادًا حتى طبرق وصولاً إلى المناطق التي تسكنها قبائل أولاد علي الحدودية؛ فإننا نجد مكانة خاصة لغناوة العلم لكل القاطنين في تلك المناطق.

ربما تكمن محبة هذا النوع من الفنون في تميزه بتكوينه من قصيدة البيت الواحد القصيرة والتي تحمل في طياتها معاني وعبرًا عديدة.

البعض يصف أحيانًا “غناوي العلم” بالوجدانية لرسائلها القوية سواء للعشاق أو الأصحاب وتكون رسائلها بتأثير أقوى عندما تتحدث عن فراق الأحبة، ويؤديها “الغناي” بصوت مرتفع وبنبرة صوتية تميل للحزن وبتكرار الشطر الأخير ثم ينتقل للشطر الأول “صدر البيت” ويكرر الاثنين معًا ليكتمل ويتضح المعنى وتصل الرسالة ويتمكّن الحاضرون من فك الغناوة .

تاريخ هذه النوع من المأثورات الشعبية حظى بجهود بحثية من رحّالة وأساتذة أدب وفلكلور وثبت وجوده لفترة تزيد عن مائتين وخمسين عاما بعد العثور على منحوتة على جذع شجرة في الجبل الأخضر مكتوب عليها: نقض على لنـظار غـلا عــزيــز بأوجاع شـطط .

أهـل البادية يعتبرون غناوة العلم في المرتبة الثانية مباشرة بعد الشعر الشعبي “قــول لـجواد” كما يعرفونها، فغناوة العلم تكون مفتاح ميعاد الأعراس حيث يبدأ الغناي بالغناوة ويأتي من بعدها فتح “افواهق” ما بين الحاضرين حتى ينهي أحدهم الغناوي بما يسمى “بالقفلة” بعد ذلك ينتقلون إلى غيرها، وعادة ما تكون محاور الجلسة ما بين المرهون والياس وغيرها.

وفي سياق حديثنا عن غناوي العلم؛ نتطرق بالحديث عن هذا المأثور الشعبي مع أحد أبرز الغنايه المعروفين بهذا النوع من الفنون الغناي، سلامة القابسي.

– بداية متى كانت بدايتك مع غناوة العلم وصوب خليل؟

* البداية كانت من تسعينيات القرن الماضي بالتحديد 1993 حيث جمعني العمل التجاري مع عبدالله الفقي القابسي المعروف في هذا المجال، فكنّا نحضر معاً الأعراس والمناسبات الاجتماعية، وكل مرة أذهب معه أتعلم بعض الأشياء حتى التقطت منه طريقة الغناوي.

الغناي عبدالله الفقي القابسي

-لك تقريباً 26 سنة تحضر المناسبات الاجتماعية وتغني “العلم”، هل ترى أن حضور غناوة العلم تراجع في الأعراس اليوم؟

* تغير الوضع عن السنوات السابقة، حاليًا الأعراس تقام في يوم أو يومين، أما سابقًا فقد كان العرس من سبعة ليالي تقام فيها كل أنواع الفنون الشعبية بداية من يوم القعدة الذي يكون فيه غناية وشتاية الكشك بالإضافة إلى حضور الشعراء والحجالة.

– ما الفئة العمرية الأكثر استماعًا وحضورًا لهذه الفن؟

* جمهور هذا الفن كان سابقًا خليطًا من كل الفئات شباب وكبار السنّ، أما حاليًا كبار السن هم الحضور وهم الأغلبية.

-هل كان من الضروري أن تقام كل تلك الأشكال من الفنون في الأعراس سابقًا؟

* نعم كانت كل تلك المظاهر المبهجة الموروثة من التراث الأصيل حاضرة، كما كان حضور الحجالة في الأعراس القديمة أساسيًا وليس كما الآن، وكانت الحجالة من أهل بيت أصحاب العرس، أما حاليًا فقد أصبحت الاستعانة بهن من خارج الدار وهذا لم يكن سائدًا في الأعراس التقليدية القديمة.

-هل لديك طقوس وعادات خاصة تقـوم بها قبل حضورك الأعراس كغناي؟

* لا يوجد شيء خاص ومميز ولكن يتم التجهيز قبل البدء في غناوات تكون متعلقة بالعريس، وبعد الغناوة أي شخص عنده فاهق يقوله، ليبدأ بعدها الزجل بين الشعراء الحاضرين حول الفاهق.

-ما أشهر غناوي العلم التي تكون على العريس؟

* هناك عدة غناوي كثيرة عن العريس منها:

دونك القسـم جـاب اعزاز.. العـقل لـه زمـان ايريدهــم

القـسـم طيحك في ناس.. أصحـاب قدر واوجوه ينـطرن

أصدقاء الغناي سلامة القابسي

-معروف عنك أنك شخصية اجتماعية ولديك معارف وأصحاب كثر، هل السبب حضورك الدائم في المناسبات الاجتماعية؟

* يبقى للأصحاب مكان خاص في قلوبنا والأصدقاء الحقيقيون ليسوا كثرا بأمانة اليوم وصعب أن تحاط بهم ولكن دائمًا يظل هناك من هم يستحقون إعطاءهم مكانتهم في الصداقة من خلال المواقف التي تثبت أنهم فعلاً رفاق درب، من هؤلاء الأصدقاء والرفاق لدي عبدالله الصبيحي و ويونس الاوجلي وكتبت عليهم راس بيت يقول:

من دون الخلايق عالمهل وازيتك.. ولاجل ايقولوا قبل الطريق رفيق

والقيتك امصوقر كـيف ماحطيتك.. فالواسعه نلقاك والا الضيق

ومن جهة ثانية، كتبت غناوي على سوء بعض الرفاق بشكل عام منها:

نسـاي عشرتك ياعين … ما عاد معاه خطوا تاخذي

مايجوك وانت خالي لـيد.. اللي ريتا اليوم فالـرفق …

سلامة القابسي قبل التوجه للمشاركة في أحد الأعراس

-البعض يقول إنك تفضّل وتميل أكثر للغناوي التي بها حزن، لماذا؟

* صحيح غالبية غناوي كانت على الفقد لأنني فقدت الوالد والوالدة في حادث سير أليم عام 2010 بمنطقة الهيشة، وبعد الحادث تأثرت كثيرًا وأصبت بحزن شديد مما انعكس على شخصيتي بشكل عام وأصبحت كفة الحزن تميل أكثر لديّ، ولديّ أكثر من غناوة مشهورة بعد ذلك الحادث سمعوها الليبيون سواء الذين يعيشون في الداخل أو في الخارج الغناوة، الأولى تقول:

لنقن ما معاها صبر.. فقدت اثنين على العين واعره

والغناوة الثانية تقـول:

يعلم الله مانحساب… نفقد اثنين كانو لـي ونس

– هل شاركت في مهرجانات للشعر كانت مصحوبة بفقرات لغناوي العلم؟

* بالطبع، شاركت في العديد من المهرجانات كضيف شرف في عدة مدن ليبية منها سرت وأجدابيا بنغازي وطبرق والمرج وغيرها من المناطق الليبية.

-كانت لديك تجربة إذاعية؟

* نعم كانت لدي تجربة إذاعية عبر أثير إذاعة المستقبل في أجدابيا من خلال برنامج “حكاوي هلنا” ساعة ونص على الهوا.

– كيف كان تفاعل المستمعون مع البرنامج؟

* التفاعل كان كبيرًا مع البرنامج لأن الناس دائمًا لديها الاشتياق إلى سماع موروثها الثقافي الشعبي، وكانت إدارة الإذاعة سعيدة بهذا التفاعل، رغم أنها كانت تعتبر تجربتي الإذاعية الأولى، ومنذ البداية؛ أخبرت مدير المؤسسة وطلبت منه ألا يخاف وأكدت له أنني الآن سأكون في المستوى قائلاً له “أطلق بيني وبين عقلي” في البرنامج.

-ما هي المناطق التي ما زالت تنشط فيها غناوي العلم والشتاوي؟

* أكثـر السكان من منطقة البريقة وصولاً حتى امساعد مازالوا يتابعون الشعر الشعبي ويهتمون به.

-الغناي سلامة القابسي.. هل عنده رسالة أو كلمة يحبّ أن يوجهها من خلال هذه المساحة والحوار عبر موقع 218؟

* لدي رسالة أتمنى أن تصل لكل المسؤولين عن الثقافة والإعلام في ليبيا، أتمنى منهم عدم تجاهل الفنون الشعبية وعند إقامة مهرجانات للشعر يجب أن تكون هناك مساحة للغناية وحضور ثابت بحيث يكون لكل قصيدة غناي حاضر بعد إلقائها ليتمم ما قيل فيها، فالغناي لديه القدرة على أن “يردم” أربعين بيت شعر وحسب كل قصيدة يأخذ رأس البيت و”يردمه” بغناوة علم.

زر الذهاب إلى الأعلى