كتَـــــاب الموقع

سر نسر المعجزة

تيبيروس كلاوديوس

عمر أبو القاسم الككلي

هذه ترجمة صفحتين من الفصل الرابع عشر من السيرة الذاتية** للإمبراطور الروماني كلاوديوس (10 ق.م – 54 ق.م. وإمبراطور روما (41 م – 54 م).

يقدم نفسه في بداية مذكراته قائلا: “تيبيريوس كلاوديوس دروسوس نيرو جيرمانيكيوس (ولن أزعجك بألقابي الأخرى) الذي كنت منذ وقت غير بعيد أعرف لدى أصدقائي وأقربائي والمتعاملين معي باسم كلاوديوس الغبي، أو كلاوديوس ذاك، أو كلاوديوس التأتاء، أو كلاو- كلاو- كلاوديوس، أو في أفضل الأحوال العم كلاوديوس”. وكان أعرج بسبب إصابته بشلل الأطفال وثقيل السمع.

لكن أحد معلميه دربه على التخلص من تأته المحرجة حتى صار يخطب بطلاقة، وأصبح مؤرخا بفضل معلم آخر، إلى جانب اهتمامه بالأدب.

تسرد الصفحتان الحوار الذي دار في مجلس الشيوخ عقب موت الإمبراطور أغسطس (63 ق.م- 14 ق.م وهو جد كلاوديوس بالتبني) بشأن تأليهه من قبل مدينة روما. ونترجمه هنا لطرافته. (المترجم).

على الرغم من أنه كان واضحا أن قوى الإمبراطور أغسطس الجسدية كانت تخور ولم تتبق لديه سنوات كثيرة يحياها، فإن روما لم تتمكن من تكييف نفسها مع فكرة موته. وليس من العبث مقارنة وضع المدينة بحالة ما يشعر به طفل إزاء موت وأبيه. فسواء كان الأب شجاعا أو جبانا، عادلا أو ظالما، كريما أو بخيلا، فلا يعني ذلك شيئا مهما: لقد كان أبا هذا الطفل، ولا يمكن لعم، أو أخ أكبر، أن يحل محله. لأن حكم أغسطس كان مديدا جدا، وينبغي أن يكون المرء قد تجاوز منتصف العمر كي يتذكر ما قبل أغسطس. لهذا السبب لم يكن من غير الطبيعي أن ينعقد مجلس الشيوخ للنظر في ما إذا كان يجب أن يمنح من المدينة نفسها الشرف الإلهي الذي منح له في حياته من قبل الأقاليم. كان غالوس، ابن بوليو، المكروه من قبل تيبيريوس** لأنه تزوج فبسانيا (زوجة تيبيريوس الأولى التي اضطر إلى تطليقها بناء على رغبة جوليا] ولأنه أيضا لم ينفِ علنا الشائعة التي جعلت منه الأب الحقيقي لكاستور، ولأنه ذرب اللسان فإن غالوس هذا كان الشيخ الوحيد الذي تجرأ على طرح أولويات الأمة. نهض ليسأل عن العلامة الإلهية التي حدثت وكانت توحي بأن أغسطس سينزل في قصور الجنة، باستثناء توصيات أصدقائه الفانين والمعجبين به؟. تلا ذلك صمت مقلق، لكن بعد قليل نهض تيبيريوس ببطء ليقول: منذ مئة يوم، علينا أن نتذكر، أن ظُلة تمثال أبي أغسطس ضربتها صاعقة. زال أول حرف من اسمه، وبقيت كلمتا آيسار أغسطس AESAR AUGUSTUS. فما هو معنى الحرف C؟. إنه رقم مئة. ما معنى آيسار أغسطس. سأخبرك. إنه يعني إله، في اللسان الأتروسكاني. واضح إذن أنه بعد مئة يوم من تلك الصاعقة سيصبح أغسطس إلها في روما. أية إشارة أكثر وضوحا من هذه تريدها.

على الرغم من أن تيبيريوس عزا هذا التفسير لنفسه، فإنني كنت أنا أول من أوضح معنى آيسار لكوني الشخص الوحيد في روما الذي له معرفة باللغة الأتروسكانية. أخبرت أمي بمعنى اللفظة فدعتني الأحمق الواهم، إلا أنها لا بد تأثرت بذلك إلى درجة جعلتها تعيد ما قلته على تيبيريوس، لأنني لم أخبر بهذا شخصا غيرها. سأل غاليوس لماذا كان على جوف [جوبيتر] أن يبلغ رسالته بالأتروسكانية، وليس بالإغريقية أو اللاتينية؟. هل يمكن لأي أحد أن يقسم بأنه لاحظ أي وحي أكثر حصرية؟. إنه لأمر حسن جدا أن تنصب آلهة جديدة لأهل الأقاليم الآسيوية الجهلة، ولكن المجلس الموقر ينبغي أن يتريث قبل أن يأمر المواطنين المتعلمين بعبادة شخص منهم، مهما كان متميزا.

كان من الممكن أن ينجح غالوس في تعطيل القرار من خلال لجوئه هذا إلى الفخر والتعقل الرومانيين، لولا وجود رجل اسمه آتيكيوس، وهو قاض رفيع المستوى. نهض بوقار ليقول أنه عندما أحرق جثمان أغسطس في ساحة [الإله] مارس رأى سحابة تنزل من السماء واعتلتها روح الرجل الميت، بنفس الطريقة الواردة في الحكاية التراثية بشأن روح روميليوس وروح هرقل. وأنه يقسم بكل الآلهة على أنه يشهد بالحقيقة. قوبلت هذه الخطبة بإعجاب مدوٍ ونهض تيبيريوس شاعرا بالانتصار ليسأل عما إذا كان لدى غالوس ملاحظات أخرى. فرد غالوس بأنه مازال لديه ما يقول. قال إنه يتذكر رواية أخرى مبكرة حول موت روميوليوس المفاجيء الذي ورد في أعمال أكثر المؤرخين تحفظا كبديل لما استشهد به صديقه الشريف الصادق آتيكيوس: الواقع أن روميليوس كان مكروها لاستبداده بالناس الأحرار، إلى حد أن الشيوخ، مستغلين يوما غائما، قتلوه، قطعوه، وحملوا أشلاءه تحت أروابهم إلى مكان بعيد.

ولكن ماذا بشأن هرقل؟. سأل أحدهم.

رد غالوس: لقد رفض تيبيريوس نفسه في خطبته البليغة في جنازة أغسطس، المقارنة بين أغسطس وهرقل. وهذه كلماته: “لقد تعامل هرقل في طفولته مع الحيات فقط، وحتى عندما صار رجلا تعامل مع وعل أو اثنين، وقتل خنزيرا بريا، وتعامل مع أسدٍ، وقد فعل هذا بتردد وبناء على طلب أحدهم، بينما أغسطس لم يقاتل الوحوش وإنما الرجال وبمقتضى إرادته الحرة، إلخ” إلا أن سبب رفضي المقارنة يكمن في ظروف موت هرقل”. ثم جلس. كانت الإشارة واضحة تماما لأي شخص تأمل المسألة، لأن الأسطورة تقول بأن هرقل قتل مسموما على يد زوجته****.

لكن قرار تأليه أغسطس اتخذ. بنيت له المعابد في روما والمدن المجاورة، وشكل نظام من الكهنة لأداء شعائره ووضعت ليفيا، التي منحت في نفس الوقت لقب جوليا ولقب أغوستا، كاهنته العليا.

نال آتيكيوس جائزة من قبل ليفيا مع هدية مقدارها ألف قطعة ذهبية، وعين بالنظام الكهني الجديد الخاص بأغسطس، إلى جانب إعفائه من رسوم التنصيب الكبيرة. أنا أيضا عينت كاهنا، ولكن برسوم أعلى من أي شخص آخر، لكوني حفيد ليفيا.

لم يجرؤ أحد على أن يسأل لماذا صعود أغسطس شوهد فقط من قبل آتيكيوس. وراجت طرفة عن أن ذلك كان بسبب أنه في الليلة السابقة للجنازة أخفت ليفيا نسرا في قفص أعلى كومة حطب الإحراق، بقصد أن يفتح بمجرد إضرام النار على نحو خفي من أحد ما يسحب حبلا من أسفل، كي يطير النسر ويُفهم أنه يمثل روح أغسطس. لكن باب القفص استعصى على الفتح، وبدلا من السكوت على الأمر وترك النسر يحترق، عمد الضابط المكلف إلى تسلق كومة الحطب وفتح القفص بيديه. وكان على ليفيا أن تقول بأن النسر أطلق بهذه الطريقة بأمر منها على أنه فعل رمزي.

* العنوان من وضع المترجم.

** I, Claudius, (نسخة إلكترونية).

*** عم صاحب السيرة.

**** يعتقد أن أغسطس مات مسموما من قبل زوجته ليفيا (جدة كلاوديوس). كما يعتقد أن كلاوديوس نفسه مات مسموما بيد زوجته الثالثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى