اخترنا لككتَـــــاب الموقع

سرقات الطفولة

عمر أبو القاسم الككلي

 

السرقة البسيطة وغير المحترفة (سرقات الطفولة والصبا) عمل لذيذ!. لأنه يقوم، ليس على الذكاء، وإنما على الدهاء. إنه تمرين عقلي ويحتوي على نوع من النكتة، لأنه ينطوي على خدعة (وليس خديعة). الخدعة تشتمل، دائما، على ما هو مضحك ومسل، من وجهة نظر الخادع، وما هو مغضب ومحزن، من وجهة نظر المخدوع (الذي قد يعجب بها أحيانا). وهي إن كانت تشير إلى دهاء لدى الطرف الأول، فإنها تدل على غفلة (كي لا نقول غباء) لدى الطرف الثاني. إنها ذات حدين متناقضين.

في الصف الأول، أو الثاني، من المرحلة الابتدائية كان نادرا ما تمنحني أسرتي قرشا أو قرشين، أو حتى خمسة ملاليم، لأشتري بها شيئا في الطريق أو في فترة الاستراحة بالمدرسة.

ذات يوم التقيت بطفل في الطريق. كان ذاهبا إلى المدرسة هو الآخر وكان يلعب، مزهوا، بقرش معه. قال أن أسرته تمنحه قرشا يوميا. وأنا لم يكن معي شيء. كان يدفع بالقرش على الإسفلت كي يتدحرج كالعجلة. ذات رمية انحرف القرش-العجلة إلى جانب الطريق واستقر على التراب المتناثرة عليه بعض أوراق شجر السرول. هو لم يتبين موقعه. أما أنا فقد لمحت لمعته الخافتة على الرمل وحددت موضعه. سارعت بحجب القرش تحت إحدى قدميَّ وتظاهرت بأنني أجيل بصري في المكان باحثا معه عن قرشه، دون أن أتحرك.

– شوف غادي!. بالك هاذاكا!.

وحين التفت إلى حيث أشرت خطفت القرش من تحت قدمي وركضت مبتعدا بأقصى سرعتي!. طبعا كان الأمر مفضوحا، وبذلك ازداد مقدار المضحك فيه. لم يكن في فعلتي كبير دهاء، لكن أظن أن حجم الدهاء فيها كان متناسبا مع غفلته. لأنه لو شك بالأمر لكان استراب في عدم تحركي للبحث معه عن قرشه ولكان، بعدها،ناداني طالبا مني إعادة قرشه وجرى خلفي محاولا اللحاق بي.

لم يتصادف أن التقينا بعدها.

كان يوجد أمام باب المدرسة المقضب رجلان يبيعان الحمص المطبوخ من عربتين. كان لذيذا. يباع في كوب مع قليل من مائه المملح والليمون والكرافس. كوب بخمسة مليم وكوب بقرش. في فترة الاستراحة كان يحدث تزاحم على الباب وتمتد الأيدي عبر القضبان لمناولة النقود وتناول الأكواب. يتسبب الازدحام في أن البائع ينسى ممن تناول النقود. فكان يدفع بالكوب بين القضبان متسائلا عمن يكون مستحقه.
خطرت لي فكرة أن أقول: أنا!. وأتناول منه الكوب دون أن أكون قد دفعت الثمن.
ذات مرة كان معه ابنه الشاب، فقمت بنفس الخدعة. لكن الشاب شك في صدقي، فأمسك يدي بالكوب قائلا:
انت ما خلصتش!.

رددت باكيا:
لا. خلصت. خلصت. والله خلصت.

ولأن ما كان لديه مجرد شك، أطلق يدي بالكوب.
وكانت تلك آخر مرة أخدع فيها بائع الحمص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى