مقالات مختارة

«سايبر سبتمبر»

خالص جلبي
إنه سبتمبر من نوع جديد، فقد ركز المهاجمون على قلب أميركا هذه المرة، وسددوا ضرباتهم في ميشيجان وبنسيلفانيا وأوهايو. تعطلت محطات الطاقة دفعة واحدة. ملايين الأميركيين غرقوا في الظلمات، ورجعوا إلى عصر ما قبل النور والمصباح. المكيفات الغسالات الكمبيوترات التلفزيون التلفونات والموبايلات كلها توقفت عن العمل. أما في المشافي وبخاصة أقسام العناية المركزة، حيث المرضى مربوطون بأنابيب التنفس الصناعي، فقد بدأ العمل بوحدات الطاقة العاملة على الديزل، والديزل شحيح بسبب تعطل وحدات التخليص في محطات تحويل البترول.
وفي «تنسي»، لم تعد تضيء لافتات الطرق ولا علامات الطرق السريعة.. فماذا حدث يا قوم؟ إنها هجمة سايبر من عالم الديجيتال غير المرئي في ثبج البحر الأخضر الإلكتروني. لقد أصاب مركز تنظيم المواصلات فأصابها بالشلل التام، فعجزت القطارات عن التحرك. أما في ميناء آرثر فقد أفلت جهاز السيطرة لمحطة الوقود دفعة واحدة مع نتائج كارثية، حيث تدفقت ملايين الأطنان من الوقود في خليج المكسيك مهددةً بكارثة بيئية، مما دعا حاكمي تكساس ولويزيانا إلى إعلان الأحكام العرفية وحالة الطوارئ.
انقطاع التيار الكهربائي في أريزونا تسبب في سلسلة من الأحداث. وفي لوس أنجلوس والعديد من المرافئ جنوب كاليفورنيا توقفت أنظمة الهيدروليك عن العمل، مما أدى لتوقف عشرات الحاويات عن الإفراغ والتحميل، وتالياً إلى انقطاع حبل التجارة.
مجهولون اقتحموا شبكة الإنترنت التابعة لمركز الطيران الأميركي، وسرقوا البرامج المشغلة لحركة الطيران إقلاعاً وهبوطاً، وبالتالي تحديد مكان كل طائرة ووجهتها. أما على شاشات الكمبيوتر في قيادة قوات الدفاع الجوي، فقد بدأت البيانات بالظهور على نحو غير مقروء وكأنها شذر مذر.
هذه الفوضى العارمة التي حدثت في يونيو 2016، وظهرت أخيراً للعلن، إنما حدثت في منطقة معزولة داخل مجمع عسكري في سوفولك بفيرجينيا، مع إمكانية رؤية واقعية للكارثة لو حدثت بالفعل. وقد دام هذا الاختبار السري الخطير لمدة تسعة أيام، بعيداً عن كل عين ومراقبة، وساهم فيه 800 خبير من 100 هيئة عسكرية ومدنية، كان مطلوباً منهم التمرن على الحرب القادمة وإظهار كيف ستكون استجابتهم لها.
وما تم تمثيله بأجهزة التخيل (سيميلاتور)، وهي أجهزة رأيتها في زيارتي لكندا حين أدخلوني إلى قمرة القيادة في طائرة تعمل إحدى الشركات على إنتاجها مع أجهزةٍ لتخيل حدوث الكوارث من دون كارثة، ولكن للتدريب عليها حين وقوعها.
أما في مركز «سوفولك» العسكري السري، فقد كان التمثيل على الهجوم ضد البنية التحتية الأميركية في مقاتلين من نوع جديد اسمهم «الهاكر»، ما يعيد للذاكرة أحداث 11 سبتمبر من نوع جديد، ليس في هدم برجين من ناطحات السحاب، بل الدخول إلى الجهاز العصبي الجديد للدول المتقدمة عن طريق شبكات الإنترنت. وهذا ما يسميه الخبراء «سايبر سبتمبر»، فهكذا سيكون مشهد أميركا مع الضربة الجديدة، والتي قد تكون أسوأ مما حدث عام 2001. إنها الحرب الإلكترونية الجديدة، وقد صنعتها أميركا وتخشى أن تكون ضحية لها، فينقلب السحر على الساحر.
وتستشهد مجلة «ميليتايري تايمز» العسكرية بقول الأدميرال «كيفن لاندسي»، من مركز قيادة السايبر، حين ينطق بعبارة صريحة: السؤال ليس إن كان سيحدث أم لا، بل متى سيكون يوم الزلزلة؟
وهكذا فالموضوع ليس مزحة، بل أميركا تستعد لهذا اليوم، وقد شمرت عن ساقها، و«لاندسي» يقول هذا بصراحة ليس فيها مواربة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الاتحاد” الإماراتي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى