اخترنا لككتَـــــاب الموقع

زيارة ونيارة

عرض صوفي برؤية حداثية

ليبيا إدريس

” انا جيت زاير زاير .. للشيخ بابا بابا .. مولي الأشاير

نا جيت ناوي ناوي .. القلب مهموم بالحب ثاوي

زوره لسيدي .. تمحي المساوي

ويعود قلبي قلبي بالفرح طاير .. نا جيت زاير”

لا ينتهي المنشدون من هذه الفقرة الموسيقية الاستعراضية التي تستمر حوالي العشر دقائق؛ إلا والمئات وأحيانا الآلاف من الحضور، قد تركوا مقاعدهم، التي نادرا ما يعودوا إليها -خلال ساعتي العرض- وبدؤوا التمايل والترديد والرقص .. هائمين في ملكوتهم.

هكذا هي أول عشر دقائق في عرض “الزيارة” لسامي اللجمي، هذا العرض الموسيقي الصوفي المستوحى من عادات المريدين في زيارة الأولياء الصالحين، حيث انطلقت هذه الفرقة الموسيقية بعروضها التي تجمع بين المديح والذكر والموسيقى والاستعراض في العام 2013 ، ومرورا بكل المهرجانات هزت هذه العروض مسارح تونس. حيث يشارك في العرض ما يقارب المائة منشد وموسيقي وتقني بقيادة الموسيقار التونسي الشاب سامي اللجمي، تتميز هذه العروض بالتكامل في الأجواء الروحانية فبمجرد ما يستسلم الجمهور بأصوات المنشدين العذبة والكلمات الصوفية المطمئنة التي تتغزل بالخالق ومخلوقه، تخرج إحداهن بالسفساري تحمل المشموم توزعه على العازفين وآخر يحمل قلة الماء ليروي ظمأ المريدين وآخر يدور وبيده (مرش) يرش به الزهر، هذا غير البخور والزغاريد التي يعجز المتابعين عن معرفة مصدرها، وما إذا كانت من المسرح أو صادرة عن الحضور، بالإضافة إلى الإضاءة والأعلام الخضراء والبيضاء كل هذا يقدم صورة لما يحدث في الزوايا الصوفية عند زيارة المريدين، وكلما تقدم الوقت تصاعدت النغمات وارتفعت الألحان وتماهت كل الآلات وبدون التركيز على تفاصيل الأداء الفني والإخراج الاستعراضي اللافت الذي يشعل كل شبر على المسرح، فيستسلم لسحره جمهور الحضور؛ يتمايلون ويرددون معها حتى يفقد بعضهم الوعي أو كما يسمونها (يتخمر) لتتدخل فرق الإسعاف الحاضرة دائما لعروض الزيارة، وبكل سلاسة يحملون ضحايا العرض والذين عادة ما يعودون بعد أن يستفيقوا. أذكر هنا أنه في عرض الزيارة خلال الدورة الـ 55 لمهرجان قرطاج العام الماضي وبحسب تصريحات رجال الحماية المدنية (تخمر) آي فقد الوعي أكثر من ثمانين من الحضور.

أعادت «الزيارة» جمهورها الى الطّرق الصوفية الشمال أفريقية من الطريقة الشّاذلية (الطريقة الأم للعيساوية والعوامرية) إلى مجموعة من أقطاب التصوف بتونس كالسيدة “المنوبية” وسيدي “أبو علي النفطي السنّي” و”أم الزين الجمالية” وغيرهم من أعلام التصوّف التونسي. عن نفسي نسخت ما يتعلق بمسميات الطرق الصوفية “الفقرة المدرجة أعلاه” من الإنترنت، ولا أعرف ما الذي يميز أيها عن الآخرى، ولا ما هي الفروق بينها أو بين الأولياء المذكورين، أو ما الفرق بين مناهجهم ومدارسهم وممارساتهم الدينية، كما أنني لم أهتم خلال العرض ولا في كتابة هذه المقالة بشرح الطرق الصوفية وأعلامها؛ بل بجمال العرض وحرفيته وجمال الموسيقى الصوفية المصاحبة التي تبحر بالحضور عبر عوالم ساحرة ، بعيدا عن محيطهم ومشاغلهم وهمومهم، فيستسلمون لملكوتها عقلا وجسدا، هذا النوع من الفنون التي يلوذ بها كثيرون، بحثا عن التوازن الروحي وتفريغ شحنات التوتر، كما يرى فيها البعض تمسكا بالأعراف والتقاليد الدينية، التي لا تتعارض وأحكام الدين بل تساعدهم على التقرب من الله والتضرع اليه، اقتداء بمناهج الأولياء الصالحين.

( ليست حضرة) يؤكد اللجمي وفريقه في كل ظهور إعلامي لهم، هي (زيارة)، فالحضرة للمختصين أما الزيارة فللجميع، وفي وقت قد يصعب فيه على البعض الوصول لبيت الله الحرام، كانت تونس أرض خصبة للمدارس الصوفية وأوليائها الصالحين، وكان الناس يزورونها بحثا عن السلام وتقربا لله ورسوله الكريم. واليوم أصبح هذا موروثا مقدرا، ووجد من يحييه بصورة تعطيه حقه.

مع نهاية العرض الذي فقدت خلاله الإحساس بالوقت، شدني أنه، على الرغم من كثرة الأناشيد عن المتصوفات من النساء اللائي اعتكفن بزواياهن وزهدن في الدنيا وملذاتها، وعملن الصالح من الأعمال، حبًّا لله ورسوله ، في حياتهن ومماتهن، مثل السيدة المنوبية والمعروفة أيضا باسم “السيدة النغارة” والتي سميت عليها ولاية منوبة في تونس وأم الزين الجمالية أو “بية الساحل” والتي تقول الرواية أن حمودة باشا باي تونس أراد التخلص منها فرماها للأسود ولكن الأسود رفضت أكلها ليقوم حمودة باشا نفسه بعد ذلك ببناء زاوية لأم الزين؛ على الرغم من هذا الحضور النسائي في المضمون وحضورهن كجزء من العرض فإن الإنشاد اقتصر على الرجال فلا حضور لصوت النساء، وعند البحث في الأمر، تبين لي أن مبرر رئيس الفرقة الموسيقار سامي اللجمي هو أن اختلاف المساحات الصوتية بين الرجال والنساء هو الأمر الذي سبب صعوبة تقنية في إشراك منشدات من النساء، وبالرغم من أني لست خبيرة موسيقية إلا أنه كان ليزيد من استمتاعي بالعرض لو كانت الأصوات النسائية ممثلة في غير الزغاريد.

أختم هذا النص الذي آمل أن يكون وضعكم في الأجواء التي عشتها خلال العرض، والذي آمل أن يكون شجعكم على البحث عن عرض للزيارة خلال زيارتكم القادمة لتونس لتكون “زيارة ونيارة”؛ أختم بالتنويه بأن أحد أهم منشدي الفرقة والذي يقوم عادة بتأدية نشيد الافتتاح، الفنان “مهدي العياشي” حصل العام الماضي على لقب برنامج المواهب التابع لشبكة أم بي سي “ذا فويس” وقد كان قدم خلال تجربة الأداء الأنشودة الصوفية (الليل زاهي) وحصل حينها على أصوات لجنة الحكم مجتمعة.

ملاحظة: أنصحكم تشغيل الرابط المرفق، أثناء القراءة ..

المصدر
Tunisian Lyrics

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى