أخبار ليبيااهم الاخبار

 روسيا في ليبيا.. من أجل الحرب أم السلام؟

المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية

ترجمة خاصة لقناة (218)

على أوروبا استخدام رافعتها الدبلوماسية لتثبت أن التدخل الروسي المتزايد لا يأتي لحساب مزيد من عدم الاستقرار على حدودها الجنوبية.

تمثل ليبيا، على نحو متزايد، هدفا لطموح روسيا المتنامي إلى النفوذ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بيد أنه، من خلال الحكم على أعمال الكرملين حتى الآن، فإن بوتين إما أنه بصدد روز مراهنته أو أنه لم يحدد بعد أهدافه في هذا الملف. القرارات الأوروبية –خصوصا تلك المتخذة من قبل أنشط اللاعبين، فرنسا وبريطانيا وإيطاليا- تنحو إحداها باللائمة على الأخرى. ستتركز الأنظار الآن على غسان سلامة، مندوب هيئة الأمم المتحدة والمبعوث الخاص من قبل أمينها العام إلى ليبيا، الذي يبدأ عمله رسميا هذا الأسبوع بعد حضوره مؤتمر باريس بين رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ومنافسه الرئيسي قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر.

التمزق بين الحرب والسلام 

خليفة حفتر - روسيا

من ناحية، تميل روسيا بشكل طبيعي إلى تأييد المشير حفتر الذي ينظر إليه من قبل الكثيرين في موسكو على أنه “رجل شرق ليبيا القوي” والذي يعارض السراج رئيس الوزراء المدعوم من الغرب. موقف حفتر ضد الإسلاميين يجعل منه شريكا جذابا في الحرب ضد الإرهاب، كما أن دعم المشير يقوي علاقة روسيا بمصر الراعي الرئيسي لحفتر. دعم محدود لحفتر يزيد أيضا مدى الصراع وبذلك تتمكن روسيا من الإشارة إلى حماقة التدخل الغربي في 2011 وتتمكن من تصوير تغيير النظام، في ليبيا كما في أوكرانيا، على أنه لا ينتج سوى الفوضى. ومن ناحية أخرى، يريد بوتين أن يبدو، في الداخل والخارج، أكثر من فاعل عسكري وأنه يسعى إلى أن يلمع مصداقيته الدبلوماسية، بما أنه استعرض قوته العسكرية في سوريا، وأن لعب دور صانع السلام في ليبيا يمكن أن يمنحه جاذبية، خصوصا في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في مارس 2018. أكثر من ذلك، فإن نجاحا دبلوماسيا تتولاه روسيا سيعطي بوتن فرصة وضع نفسه موضع من يرمم ما كسره الغرب.

ما الذي فعلته روسيا حتى الآن؟

روسيا

خيار “الحرب” هو الذي ينبغي تقصيه أولا في موسكو. ففي ربيع 2016، منحت روسيا الشرق الليبي المسيطر عليه من قبل حفتر دعما ماليا مهما من خلال طباعتها دينارات ليبية في مصنع الكرملن للعملات. نشطت العلاقات في يونيو من تلك السنة بواسطة عدة زيارات إلى روسيا من قبل حفتر ذاته أو مبعوثه الخاص عبد الباسط البدري، سفير ليبيا في السعودية. في يناير من هذه السنة دعي المشير إلى زيارة حاملة الطائرات كوزنستوف، حيث عقد مؤتمرا عبر الفيديو مع وزير الدفاع الروسي شويغو.

لدى حفتر ثلاثة مطالب رئيسية من روسيا: دعم سياسي لإبراز صورته كقائد شرعي لليبيا. المساعدة على رفع حظر التزود بالسلاح المفروض من قبل هيئة الأمم المتحدة، ومده بالسلاح. اللقاءات جعلت حفتر يعتقد أنه سيتلقى نفس نوع الدعم الذي تلقاه الأسد في سوريا. ولكن إلى حد الآن مازالت روسيا أكثر ترددا بخصوص ليبيا.

بشأن موضوع السلاح، وقف الكرملين علنا موقف الأمم المتحدة رافضا التزويد بالسلاح إلى حين رفع الحظر، ولم يكن راغبا في منازعة الأمم المتحدة بمناقشة الفائدة من ذلك. على الرغم من هذا، فإن آرنود دلالاندي، خبير الأمن الفرنسي، قال بأنه قد تم تسليم بعض الأسلحة الروسية إلى ليبيا، وبشكل أكثر قانونية بيعت أسلحة روسية لمصر انتهت بين يدي حفتر. هذه الترتيبات ملائمة لروسيا، ليس لأنها تبقيها ضمن حدود حظر السلاح من قبل الأمم المتحدة، فقط، ولكن أيضا لأن مصر، تمثل زبونا يعتمد عليه أكثر من حفتر.

ثمة أيضا تقارير تشير إلى أن قوات روسية خاصة تعمل في ليبيا، أو على الحدود بين مصر وليبيا. وعلى أية حال، فحتى الآن تشير التقارير إلى أن هذه القوات لم تنخرط في عمليات قتالية، وإنما نشرت لحماية الفنيين الروس الذين يساعدون في صيانة منظومة السلاح لدى جيش حفتر، الجيش الوطني الليبي.

في نفس الوقت تسعى موسكو من أجل خيار “السلام” من خلال تطويرها لشبكة علاقات تضم منافسي حفتر، وعبر موافقتها على كل قرارات الأمم المتحدة بخصوص ليبيا والتعبير عن التزامها بالاتفاق السياسي الليبي. وفي خطوة لا تعني تأييد الحكومة المدعومة من الغرب، تم استقبال رئيس الوزراء فائز السراج في موسكو، على الرغم من أن استقباله تم على مستوى رسمي منخفض عما حدث مع حفتر. وتم أيضا استقبال وفد من مدينة مصراتة، في الوقت الذي لروسيا فيه علاقات مع حكومة الإنقاذ الوطني، الفصيل الثالث الذي يقاتل من أجل السيطرة على ليبيا.

ماذا بعد؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

من غير المرجح أن يسمح بوتين لروسيا بالانجرار إلى صراع جديد أو إغضاب مصر عبر تعاملها مباشرة مع حفتر بخصوص السلاح. ما هو قابل للتغيير هو نوعية الدعم الروسي لحفتر، وذلك من خلال مستوى أعلى من العون الفني أو أسلحة أكثر تطورا. هذا سيشجع حفتر تشجيعا عظيما على متابعة الحرب، مهما كان توقع نصر عسكري سريع من قبل حفتر توقعا غير واقعي.

ثمة إمكانية أخرى أن تبدأ روسيا في الاشتراك بشكل أقوى مع حفتر بشأن قضية مكافحة الإرهاب، لأنه يمكن استخدامه لبناء جسور مع ترامب، الذي جعل هزيمة الإرهاب الهدف المركزي لإدارته. هذا الخيار دعم من قبل وزير الدفاع الروسي شويغو، ولكنه يحتاج إلى ضوء أخضر من الكرملين، وهو ما لم يصدر حتى الآن.

الأرجح، أن بوتن سيواصل سياسته الغامضة الحالية: حد أدنى، ولكن مهم، من الدعم العسكري لحفتر بواسطة أسلحة مقدمة عبر مصر (وهكذا يجعل السيسي وحفتر راضيين)، القيام بلكمات دبلوماسية روسية من خلال دعوة القائد الليبي إلى موسكو بين الحين والآخر، بينما يستمر في استخدام ليبيا كحكاية وعظية حول شرور تغيير النظام.

ما الذي على أوروبا فعله؟.

اوروبا

إذا ما رغب الفاعلون الأوربيون، مثل إيطاليا وفرنسا وبريطانيا، في تجنب توسع الحرب، فإن الطموح الدبلوماسي الروسي يقدم بعض الروافع. صانعو القرار الروس يتوقعون مشاركتهم في المحادثات حول ليبيا، مثلما هو الشأن في المفاوضات السورية وقضايا أخرى بالمنطقة مثل رباعية عملية سلام الشرق الأوسط. وبينما ليس لدى الأمم المتحدة والسالمي خيار سوى ضم روسيا، فإن أية محادثات ذات معنى بين دول أوروبية وموسكو حول ليبيا لا ينبغي أن تمنح مجانا. ضم روسيا إلى أية مجموعة اتصال جديدة ينبغي الاشتراط فيها على روسيا دعم عدم توسع الحرب في ليبيا: تقليص دعم حفتر، أو تترك في البرد.

إذا ما كانت روسيا مستعدة أن تلعب كرة على هذا الأساس، على الأوروبيين أن يظلوا منتبهين إلى أدائها في المجموعة الجديدة … وقد تكون موسكو مستعدة لدعم حفتر في طريقه حتى طرابلس، الأمر الذي يعني حربا أهلية قد تمتد سنوات على عتبة أوروبا. من المرجح أن تأخذ مصر مدخلا أكثر محدودية يركز على حماية حدودها الغربية، وعلى أوروبا أن تراقب بحذر أيا من هاتين الرؤيتين تستقوي بالنفوذ الروسي وتعيد النظرفي الاستمرار في مجموعة الاتصال الجديدة إذا ما كان حضور موسكو يغذي توسع الحرب.

ختاما، غموض بوتن حول ليبيا يعتبر حتى الآن سببا جيدا للارتياب في حقيقة نواياه. وعلى أوروبا استخدام رافعتها الدبلوماسية لتؤكد أن انخراط روسيا المتزايد لا يأتي لحساب مزيد من زعزعة الاستقرار على حدودها الجنوبية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى