اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

رسالة مغلقة إلى فائز السراج

سالم العوكلي

رغم انتقادي في كثير من المقالات لمسار حوار الصخيرات وللمسودة التي تمخضت عنه، إلا أنه بعد حضور السيد السراج إلى طبرق وحصوله على اعتماد أو شبه اعتماد لهذا الاتفاق السياسي، ولمنصبه كرئيس للمجلس الرئاسي، رأيت أن أكتب له، وقتها، رسالة، باعتباري متابعا للشأن العام ومتمسكا، كأي ليبي يغرق، بأي قشة تظهر على السطح، وقدمت في هذه الرسالة ما رأيته لحظتها أنه قد يشكل مبادئ للمهمة كإسهام بسيط من قبل مواطن ليبي يتمنى للسفينة الليبية التائهة أن تصل إلى شاطئ الأمان، ونشرت الرسالة تحت عنوان “رسالة مفتوحة إلى فايز السراج” نشرت في موقع 218 ، شهر فبراير 2016.

غير أن ما حدث وما كشفته الأيام والسنوات أن الأمر بدا وكأن السراج يعمل ضد كل النصائح التي قُدمت له من الداخل والخارج، وبدا أن لا حول له ولا قوة أمام قوة الميليشيات، وهذا طبيعي لأنها هي في الواقع من تحميه في غياب أي مؤسسة عسكرية شرعية أو أمنية في طرابلس وفي غياب دولة القوانين ومنفذيها في مدينة كل السلاح فيها خارج عن القانون، لذلك لن أطلب منه كمواطن ليبي تعاطف معه يوما ما سوى طلب واحد في هذه الرسالة المغلقة، وهو أن يستقيل أو يطلب لجوءا في أي دولة يمر بها وهو يتسول الدعم لمجموعات مسلحة مسماة بأسماء أشخاص مدنيين وبعضهم أصحاب سوابق. مجموعات كانت وما زالت تخطف وتبتز وتتاجر في البشر والنفط وتنهب وتقاتل الجيش الليبي الذي تشكل وفق قرار من مجلس النواب، مجلس النواب نفسه الذي كان السراج عضوا فيه والذي اعتمده رئيسا للمجلس الرئاسي كي يعترف به المجتمع الدولي بعد أن انطلت الخديعة على مجلس النواب الذي اكتمل نصابه في هذه الجلسة باعتبار أنها الطريقة الوحيدة للتمديد لأعضائه، وكان اعتماد المجلس الرئاسي (دون الحكومة) السم الذي دُسَّ في عسل التمديد. أقول للسراح استقلْ لأن ما تقوم به الآن كل مهمته تختصر في توفير غطاء شرعية للمجرمين والإرهابيين واللصوص، ومجرد بقائك على قيد الحياة وسط هؤلاء الخارجين عن القانون يرجع فضله لهذه الشرعية أو شبه الشرعية التي توفرها لهذه المجموعات المارقة.

ختمت تلك الرسالة التي نُشرت قبل 4 أعوام تقريبا بهذا التحذير: “وأخيرا أشير إلى أن الوعي بالمهمة التاريخية التي تتصدون لها ومن معكم أساسي لأن ما ستفعلونه سيدخلكم للتاريخ في كل الأحوال، سواء من باب المجد أو من باب الفشل الذي دخلت معه الحكومات والسلطات التشريعية السابقة، وهذا الوعي بالتاريخ هو ما ألهم رجالا ونساء عبر التجارب الإنسانية أن يحرصوا على النجاح وأن يخرجوا بلدانهم من الأنفاق المظلمة . الجغرافيا قد ترحم لكن التاريخ لا يرحم، وصناع التاريخ المشرف لأوطانهم ولهم شخصيا تميزوا بالنزاهة والحكمة والقوة.”.

الآن وبعد أن ارتمى السراج في حضن أردوغان الذي أسهم في دخول عشرات الآلاف من الإرهابيين إلى سوريا وأحالها إلى دمار، بدا واضحا أن السراج لا علاقة له بالوعي بالتاريخ، وأنه اختار أن يكون مثل رئيس حكومة فيشي التي دخلت مزبلة التاريخ الفرنسي، أو اختار أن يكون مثل أولئك الليبيين الذين سرعان ما تجندوا مع الفاشية الإيطالية وعاثوا في الليبيين تعذيبا وتقتيلا.

اختار الجانب المعتم من التاريخ بينما جانبه الآخر لم يكن صعبا لأنه فقط كان يحتاج لأن يقدم استقالته بدل أن يكون دمية تحركها في الداخل ميليشيات خارجة عن القانون، وفي الخارج يحركها ويتلاعب بها شخصية تذكرني في كل شيء بنزق القذافي وجنونه وهو أردوغان.

بمجرد أن تحصل السراج على رخصته وشرعيته الدولية غادر طبرق ولم يدخلها بعد ذاك؛ بل لم يدخل المنطقة الشرقية ولا مرة رغم أنه على رأس حكومة تسمى مسخرة (حكومة وفاق).

ثم بدأ يتخلص من أعضاء المجلس المزعجين واحدا واحدا لينفرد بالسلطة كما فعل القذافي مع مجلس قيادة الثورة ولم يبق معه في الأخير إلا الدراويش المطيعين له في كل شيْ. وماذا تبقى للمجلس الرئاسي بعد أن انسحب أو أُبعد منه ممثلو الجنوب والشرق سوى ممثلي تنظيم دولي لا يمتون لمسألة الكيان الليبي بصلة وفق عقيدتهم وبرامجهم.

لم يهتم بنصيحة الوعي بالتاريخ لأن هذا الوعي ستطال نتائجه أحفاده وأحفاد أحفاده حين يتعلق الأمر بالخيانة ، وتعريف الخيانة أن تستغل السلطة في فتح البلاد لغزو خارجي ولدولة سبق أن استعمرت ليبيا من أجل الاستمرار على الكرسي ومن أجل أن يظل المجرمون المسيطرون على العاصمة على قيد القتل والفساد والنهب، وأن يكون هذا التدخل وفق معاهدة مكتوبة مثلما فعلت حكومة فيشي مع المحتل النازي.

ترامب يحاكم ويدان فقط بسبب مكالمة هاتفية بينه وبين رئيس دولة أخرى أراد من ورائها تشويه ملف المرشح ضده من الحزب الآخر، ما بالك برئيس سلطة تنفيذية يذهب إلى حكومة محتل سابق للبلاد كي يزوده بسلاح ومقاتلين لمقاتلة الجيش الليبي المشرعن من نفس الجسم (مجلس النواب) الذي شرعن المجلس الرئاسي والسراج ، رغم أنه لم يكمل شروط هذه الشرعية وفق اتفاق الصخيرات الذي كان الوقود المسكوب على نار الصراع في ليبيا.

فهل ما جعل السراج يركض نحو الزعيم العثماني تاريخه الشخصي الذي لا يختلف عن تاريخ أي ليبي جاء أجداده من بقاع الأرض المختلفة ، أقول هذا بحرقة لأني لا أجد تفسيرا لهذا التحالف الغريب مع سلطة مجنونة نعرف ماذا تفعل بسوريا وماذا تفعل في العراق الآن، وكيف سلمت ليبيا للغزو الفاشي على طبق من لهب قبل قرن من الزمان تقريبا، مثلما سلمت فلسطين التي استعمرتها قرونا للإنجليز الذين نفذوا فيها وعد بلفور وسلموها للصهاينة.

مثلما برر أردوغان تدخله في سوريا بقوله: يجب أن نحمي أخوتنا التركمان المهددين بالتطهير العرقي، يبرر تدخله في ليبيا بقوله: يحق لنا أن نساعد أخوة لنا هناك (يقصد أخوته الليبيين من أصول تركية) في سياق حديثه عن أن ليبيا إحدى مستعمرات تركيا السابقة، لكن ليبيا؛ باستثناء سكانها الأصليين من القبائل الليبية القديمة، يتشكل مجتمعها أيضا من أصول حجازية ونجدية (منها كاتب هذا المقال) وشامية ويونانية ويمنية وتونسية ومغربية وجزائرية وتشادية ونيجرية وشركسية وبلقانية ويهودية (باعتبار اليهودية ديانة وعرقا) … إلخ ، وإذا كان على كل أمة من هذه أن تساعد أخوتها فستقوم حرب عالمية على أرض ليبيا. ليبيا التي تشكلت جغرافيا وتاريخيا واجتماعيا من هذا النسيج وأي تلاعب عاطفي لقوى خارجية به سيصبح خطرا على الجميع.

يتدخل الكثير من الدول في ليبيا من منطلق مصالحها، لكن لا أحد منها أعلن عن حق له في ليبيا أو أخوة يريد مساعدتهم، ولا أحد سعى لمعاهدة تهدد أمن ليبيا القومي مع السلطات الشرعية التي تدعمها، ويذكرني حديث أردوغان بخطاب موسيليني الفاشي حين غزا ليبيا مبررا ذلك بأن له الحق في العودة إلى أرض أجداده الرومان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى