مقالات مختارة

رئيس على مين

ريما مكتبي
بالإذن من سمير قصير ومقاله الشهير “عسكر على مين” والذي ساهم ربما كغيره من المقالات بالتعجيل بقتل أحد أهم صحافيي العالم العربي فكتاباته وأفكاره كانت تهز أنظمة. السؤال بعد 12 عاما على المقال الشهير موجه لبشار الأسد: أنت رئيس على مين؟ من المؤكد أنك لم تعد رئيساً إلا على مجموعة صغيرة من مناصريك، رئيس فرض بقوة السلاح الإيراني والروسي. وإذا ما تمعّنا بدراسة الشرائح المناصرة للأسد فقد نتمكن من القول إن بشار الأسد رئيس على العلويين فقط وربما ليس بغالبيتهم. فهم أيضا أُقحموا بحرب ودفعوا أثمانا غالية من دمهم، وسيكون مستقبلهم في سوريا أكثر دموية من حاضرهم لأن ترسبات الحروب يدفع ثمنها الأقليات في مجتمعاتنا والعلويون كانوا وسيبقون أقلية في بحر من المدن والقرى السورية ذات الغالبية السنية.

تخيلوا لو أبرمت عائلة الأسد صفقة عام 2012 وتنحت عن الحكم وسلّمت بالأمر الواقع وهو أن الغالبية الساحقة من السوريين من المذهب السني تحكمهم أقلية علوية. وقتها، كانت على طاولة المفاوضات طروحات كثيرة من بينها أن يبقى رئيس سوريا من الطائفة العلوية على أن تكون هناك صلاحيات تنفيذية واسعة لحكومة تمثل النسيج الاجتماعي السوري بصورة أدق. وبين عامي 2012 و2013 كانت هناك مشاورات واسعة في داخل البيت العلوي وعلى مستوى آخر بين شخصيات علوية وأخرى إقليمية ودولية. أحبطت كل المحاولات بتجنيب سوريا آتون الحرب لأن شعار آل الأسد إما نحن أو الطوفان، وها هي سوريا في زمن طوفان دموي مهول. وكما نُقل عن بشار الأسد قوله للرئيس رفيق الحريري “سأهدم لبنان على رأسك” بهدف فرض التمديد للرئيس إميل لحود، قالها بشار لكل سوري عارض التمديد لهيمنة آل الأسد وفعلها، فانظروا كيف هي سوريا مهدمة على رؤوس أهلها، معارضون وموالون.

وبسقوط حلب ستكون المعركة المقبلة في الجيوب المحيطة بدمشق والتي ما زال بعضها تحت سيطرة الجيش الحر على أن يعمل الجيش السوري مدعوما من الميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية والطائرات الروسية على تأمين الطريق الرئيسي الذي يربط حمص بحلب. إدلب أيضا ستكون هدفا للأسد في محاولة لاستردادها رغم أن المدينة وريفها تحب سيطرة ألوية مختلفة من الجيش الحر معظمها متشدد. أما الرقة، المعقل الرئيس لقيادة “داعش” فقد تصبح أكثر المناطق أمنا في سوريا لأن “محاربة الإرهابيين” قولا وليس فعلا وقد لا نفاجأ إذا ما أصبح شريك النظام السوري على طاولة المفاوضات هو “داعش” وأخواتها من فصائل متطرفة سرقت الثورة من طلاب الحرية وحوّلتها إلى حرب طائفية بامتياز. كل تلك المعارك ستكون تحت رحمة روسيا فإن هي شاءت أن يبقى الأسد فستفرضه طائراتها الحربية على المدن والقرى، وإن دخل بوتين بازار البيع والشراء مع أميركا فسيترنح الأسد مجددا، لأن إيران والميليشيات العاملة بإمرتها لم تتمكن من حسم المعارك في المدن السورية. نجحت بالحد من امتداد الجيش الحر وتوسعه، لكنها بقيت سنوات في حرب كرّ فر في الأحياء الشعبية من دون تحقيق أي انتصار. وهذا ما يجعل بشار الأسد رئيساً على جثث السوريين ورئيساً ورّث طائفته العلوية حرباً لا بد آتية. فالنسيج الاجتماعي السوري لم يكن طائفياً وكانت من مصلحة الأقلية عدم إيقاظ هكذا مشاعر لأن مبدأ “الغالبية تحكم” لم يكن يوما مناسبا للأسد الأب والابن اللذين عملا جاهدين على ربط مخاوف الطائفة العلوية كأقلية ببقائهما في السلطة. أوهم آل الأسد العلويون أنهم الضامن لبقاء الطائفة سالمة ونافذة وإذا بكل سوريا تنهار فقط لأن بشار الأسد يريد أن يبقى رئيسا… على من؟ رئيس على قرابة 400 ألف جثة معظمها من المدنيين الأبرياء ورئيس على مدن مهدمة وشعب مشرد. رئيس على حفنة من المقاتلين الأجانب من لبنان والعراق وأفغانستان وإيران، ورئيس على متطرفين من الشيعة والعلويين. فمن كان سورياً حقيقيا، سواء كان مسيحياً أو سنياً أو علوياً أو شيعياً أو كردياً، لن يقبل برئيس يجلس على أشلاء مدنيين عزل أو رئيس شرد الملايين في مخيمات الذل في لبنان والعراق وتركيا والأردن ورمى المئات في عرض البحر. في سوريا، مواطنون حقيقيون دينهم الوطن وليس مذاهب تستخدم في حروب بالوكالة وبشار الأسد ليس رئيساً على السوريين الحقيقيين. قد يبقى رئيسا على سوريا المفيدة كما سماها، مفيدة لآل الأسد. وأما سوريا الحقيقية، فبشار لم يعد رئيسها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقع العربية نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى