كتَـــــاب الموقع

ذكريات طرابلس (2)

فكتوريا جيرود

ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي

ليبيا تحت إبهام القذافي الآن*، وعادة ما أتساءل ما هي التغييرات التي ألحقها النفط والاستبداد بطرابلس. أواسط الخمسينيات كانت طرابلس مدينة زاخرة وعالمية بشكل واضح، يقطنها العرب (طلب منا أن ندعوهم الليبيين) الإيطاليون، البريطانيون الأمريكيون، وخليط من جنسيات أوروبية وشرق أوسطية. البريطانيون والأمريكيون كانت لهم قواعد عسكرية، وكانت شركات النفط العالمية تنقب عن البترول الذي سيسفر عن جعل البلاد غنية بداية من سنة 1959. ليبيا التي كانت في النصف الأول من القرن العشرين تحت الحكم الإيطالي أحرزت استقلالها سنة 1951. تلك المناسبة الميمونة خلدت بتسمية شارع رئيسي، صار يدعى دائما شارع 24 ديسمبر.

كأي حدث رئيسي في حياة أي طفل لأب عسكري، لم أكن متأكدة من رغبتي في أن أُقتلع وأسافر إلى مثل ذلك البر الغريب. لقد صدمت لما تلقى أبي أوامر بالانتقال إلى شمال أفريقيا. كنا مقيمين حينها في إف. تي نوكس، كِنتكي، وأفريقيا تقع في الحد الأقصى عن الحضارة، كما كان ذهني وأنا في الثانية عشرة يتصور.

كانت المغرب أول نقطة مبرمجة في رحلتنا، بالذات في المكان المتميز المسمى النواصر. بعدها، ولأسباب حكومية (كانت لدى المغرب مشاكل سياسية عنفية، كما اتضح)، صدرت الأوامر بتغيير الوجهة إلى طرابلس – قاعدة ويلس الجوية. سيقود والدي فريقا من المهندسين العسكريين له علاقة بالحفاظ على ذلك الميدان العسكري، وهو المكان الأمريكي الواسع، الأكثر قربا من روسيا، وهذا واقع مهم حينها أيام الحرب الباردة. كان عليه أيضا السفر إلى أماكن غامضة مثل أديس أبابا في أثيوبيا والعربية السعودية.

عائلتنا الصغيرة المتكونة من داربي، أخي ذي السنتين، وجوان تبر، أختي ذات الست سنوات، استقلت طائرة صغيرة في قاعدة ماغواير للقوات الجوية في نيو جيرسي قبل عيد الشكر سنة 1955. تركنا خلاء ثلجيا واتجهنا جنوب شرق عبر الإطلنطي، خط رحلتنا غير المباشر قادنا أولا إلى جزر آزورس. الطائرة الصغيرة المعتمدة على المراوح، التي ليست بكفاءة الطائرات النفاثة، كانت تتطلب التوقف للتزود بالوقود.

هبطنا في الجزر حوالي الثالثة صباحا بتوقيت الآزوراس، حيث استيقظنا من النوم، اندفع الفريق العسكري ومعاونوهم خارج الطائرة إلى الحافلات المنتظرة لتصعد طريقا جبليا ملتويا من أجل الإفطار في ناد لضباط الصف. بضع ساعات في ما بعد عدنا لننحشر بالطائرة، إلا أن مشاكل ميكانيكية، جعلتنا ننتظر على الأرض عدة ساعات أخرى. ثم توجهنا إلى قاعدة النواصر للقوات الجوية في المغرب، لتوقف آخر، وفي النهاية يممنا نحو طرابلس. لم تكن للطائرات العسكرية، سواء كانت تقل جنودا أو معاونين مدنيين، جداول محددة. فأنت تهبط كيفما اتفق.

* المقال مكتوب 24 نوفمبر 2010.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى