مقالات مختارة

«داعش» إلى أين بعد الموصل والرقة؟

باسم الجسر

في هذه الحرب الإقليمية – الدولية على الإرهاب الداعشي هنالك ضحية قلما يهتم بها المتقاتلون الكبار والوسطيون والصغار، ألا وهي الجاليات العربية والمسلمة التي تعيش في الولايات المتحدة وأوروبا والدول التي تعرضت لعمليات إرهابية تبناها «داعش» أو قام بها متشددون متطرفون باسم الإسلام. ويربو عددها على عشرات الملايين. فبعد استهجان الرأي العام في هذه الدول للعمليات الإرهابية التي أسقطت المئات من الضحايا الأبرياء من نساء وأطفال، تصاعدت النقمة الشعبية على المسلمين المقيمين، لدرجة تقييد تحركاتهم، ولتصل مؤخرا إلى الاعتداء على المساجد والمصلين ونساء محجبات أقدم عليها متعصبون قوميون متطرفون من أبناء البلاد، ردا على العمليات الإرهابية التي قام بها إرهابيون بأوامر من قيادة «داعش» أو من تلقاء ذاتهم.
إنها معركة جانبية، حتى الآن، تخوضها الحكومات الغربية، الأوروبية والأميركية، بإعلان حالة الطوارئ، ونشر قوى الأمن والجيش في الشوارع، ومراقبة وتوقيف الإسلاميين المتطرفين بالتعاون مع الدول العربية والإسلامية المنخرطة في هذه الحرب على الإرهاب. ولكنها معركة قد تتسع مجالا وعنفا بعد إخراج «داعش» من العراق وسوريا، كما يؤكد معظم الخبراء في شؤون الإرهاب.
إن المسلمين والعرب المقيمين في الغرب – الأوروبي والأميركي خصوصا – يعيشون اليوم أياما صعبة لم يعرفوها من قبل. ورغم استنكارهم وشجبهم للعمليات الإرهابية ومعرفة السلطات والرأي العام الغربي بأن نسبة المتطرفين الراديكاليين بينهم ضئيلة جدا، فإن كل عملية إرهابية يقدم عليها متطرف تحت شعار ديني من شأنها أن تضاعف من النقمة عليهم، والجنوح في ردود الفعل نحو اعتبار الإسلام دينا يدعو إلى العنف وإلى معاداة الأديان الأخرى والحضارة الغربية بكاملها.
لا أحد يستطيع، الآن، معرفة نوع «العمل – الإرهابي» الذي ستعتمده «داعش» والتنظيمات الشبيهة بعد حسم المعركة في سوريا والعراق، ولكن المرجح أن العمليات الإرهابية سوف تنتقل إلى بلدان أخرى، وفي مقدمتها الدول الغربية، وأن الإرهابيين الجدد سوف يحاولون تحويل استراتيجيتهم من إقامة دولة الخلافة المزعومة إلى محاولات إشعال حرب بين الإسلام والغرب، أي إلى حرب حضارات دينية – عالمية شاملة. ومن المنتظر طبيعيا أن يكون المسلمون والعرب المقيمون في الغرب في طليعة ضحاياها.
إن هذا السيناريو القاتم ليس بمحتم إذا تم تحقيق بعض الأمور، ومنها نجاح الدول العربية والإسلامية في التغلب على «داعش» والتيار «المتطرف – الإرهابي»، وترجيح كفة الإسلام المتسامح السلمي المنفتح على الخير والمحبة المتعاون مع الشعوب ذات الأديان الأخرى. ومنها نجاح الدول الكبرى الغربية والشرقية الآسيوية أيضا في كسب معركتها ضد الإرهاب والحؤول دون تدفيع الجاليات الإسلامية المقيمة في ديارها ثمن العمليات الإرهابية، التي قام بها «داعش» أو أي جماعة إرهابية أخرى. مع العلم بأن هذه المسؤولية ليست مقصورة على الدول والمجتمعات الإسلامية وحدها، ولا تكفي لتقليص خطر الإرهاب المهدد للجميع، بل لا بد من تعاون الدول الكبرى، والغربية خاصة، مع الدول العربية والإسلامية، من أجل تحسين علاقاتها ومحو رواسب سياساتها السابقة، المعادية أو المسيئة للعرب والمسلمين منها (القضية الفلسطينية). والتوقف عن اعتبار الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي ميداناً للتنافس والاستغلال فقط.
إنها تحولات صعبة، لكنها حاسمة، ليس من السهل الإقدام عليها، لا سيما بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، ونظراً لتشابك المصالح وتناقض المواقف بين الدول الكبرى والدول العربية والإسلامية المشاركة في هذه الحرب على الإرهاب، في بعديها الإقليمي والدولي. ولكنها تحولات أساسية إذا أردنا الحؤول دون تحول القتال في العراق وسوريا إلى حرب حضارات.
يبقى دور الجاليات العربية والمسلمة التي تعيش في الغرب والمهددة بانتقال شرارات الحرب على الإرهاب إليها، وتوتر علاقاتها بأبناء البلاد الأصليين التي يعيشون فيها من جراء ذلك. فأمامهم أربعة طرق أو خيارات: الاندماج أو الانسجام أو الصدام أو الرحيل. قد يكون من الصعب عليهم الاندماج أو الذوبان في المجتمعات الغربية التي يتألف منها المجتمع الغربي الأوروبي – الأميركي. كما أنه من الصعب تطور الحرب على الإرهاب لتصل إلى صدام سياسي – ديني حضاري أو إلى رحيل جماعي، ليبقى السبيل الوحيد أمامهم هو الانسجام مع أكثرية أبناء البلاد واحترام تقاليدهم والابتعاد عن كل ما يسيء إليهم. وليس ذلك بصعب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى