اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

حُمَّى “السابع من أبريل”

عمر أبو القاسم الككلي

تستيقظ حمى “السابع من أبريل” منتصف مارس، على الأبعد. فتُعد قوائم الطلبة والأساتذة الجامعيين الذين يُرتأى فصلهم وطردهم من الجامعة، أو اتخاذ أية إجراءات تعسفية أخرى ضدهم، قد يمليها استعار هذه الحمى.
قبيل عطلة نصف السنة الدراسية في مارس 1978، أسرَّ لي صديق بأن اسمي موضوع على رأس قائمة الطلبة المزمع فصلهم. ثم سألني عن علاقتي بشخص اسمه محمد بن سعود. قلت له بأنني لا أعرفه. فقال أن اسمينا مقرونان ببعضهما في القائمة على أساس أنه تربطنا صداقة وثيقة. كنت فعلا لا أعرف الشخص المعني. قلت له، أنا وأنت صديقان وكثيرا ما نكون مع بعضنا في السكن الجامعي وفي الجامعة والمدينة، وتعرف غالبية أصدقائي، لأننا عندما نكون معا ويأتي صديق لم يسبق لك أن تعرفت عليه أقدمكما لبعضكما. فهل تتذكر أنني عرفتك يوما على شخص بهذا الإسم؟!. قال: لا.
*
بعد ذلك بعدة أيام، كنت جالسا في مقهى بشارع جمال عبد الناصر في منطقة سيدي حسين ببنغازي، كنت أجلس فيها أحيانا مع بعض الأصدقاء، أو بمفردي، لأنها واسعة وقليلة الرواد وهادئة، ويمكنني أن أقرأ فيها شيئا.
جاءني الراحل إدريس المسماري وقال أنه ذاهب إلى مشوار قصير وسيعود، وطلب مني أن أنتظره.
بعد فترة معقولة عاد ومعه شخص آخر، قدمه لي قائلا:
– الأخ محمد بن سعود!.
لست أدري كيف تحملت صدمة المفاجأة. سلمت على الرجل. ثم تجاهلته تماما طوال الجلسة.
*
في عطلة نصف السنة عدت إلى طرابلس. في البداية فكرت أن أترك الدراسة وأبحث عن عمل. لكنني استبعدت الفكرة وارتأيت أنه من الخطأ أن أترك الفرصة لأن يتخذ إجراء ضدي غيابيا. فذلك سيمنح مزاعمهم مصداقية. ينبغي أن أعود إلى الجامعة بعد عطلة نصف السنة وأواجه أي إجراء يمسني وأعترض عليه، رغم إيماني التام أن ذلك سيكون جهدا غير مجدٍ.
*
لسبب، أو أسباب، ما لم يطبق مشروع الفصل والطرد. يبدو أنه في الأيام الأخيرة استخدم القذافي شيئا من الحكمة وطلب من لجانه الثورية في الجامعة ربط ذكرى “السابع من أبريل” بالفرح والاستبشار، وليس بالقمع والسعار. ولقد عبر لي أحمد إبراهيم منصور (في مواجهة متميزة بيننا، سأتناولها مستقبلا) عن هذا التوجه، دون أن ينسبه إلى “الأخ القائد”، وقال لم نعد نرغب في طرد أو إعدام كل من نسمع أنه قال كلمة أو نكتة تمس الثورة، ونريد لمناسبة “السابع من أبريل” أن ترتبط بالبهجة والفرح.
*
يوم اعتقالنا في 26 ديسمبر 1978، من قبل اللجان الثورية بقيادة أحمد إبراهيم ومصطفى الزائدي ويونس معافى، وسواهم، في مدرسة شهداء يناير ببنغازي أثناء حضورنا ومساهمتنا في أعمال مهرجان أدبي باسم الشاعر الليبي علي الرقيعي، اتضح أن محمد بن سعود كان حاضرا. ويبدو أنه كان جالسا في آخر القاعة، وعندما تبين أننا قيد القبض وحدثت بعض التهديدات والفوضى خاف على نفسه واختار أن ينتقل إلى “مكان آمن”. فانتقل ليجلس في الصف الأول أو الثاني أمام الركح حيث كان أحمد إبراهيم ومصطفى الزائدي يديران احتفالية القبض علينا.
فجأة تساءل أحمد إبراهيم:
– مش محمد بن سعود هذا الِّي قدامي؟!.
– نعم.
– نوض، حتى انت معاهم!.
نفى محمد أن تكون له علاقة بنا. واستدرك قائلا:
– مش إدانة الهم. مش إدانة الهم. لكن ما لياش بيهم علاقة.
بيد أن أحمد إبراهيم أصر على ضمه إلينا.
قضى معنا في السجن سنة وخمسة أشهر، ثم خرج في نهاية شهر 5/ 1980مع الذين لم يكونوا مستهدفين وبرأتهم المحكمة المأمورة.
*
سبق لمحمد بن سعود هذا أن اعتقل في أحداث أبريل 1977 وأفرج عنه. وفي منتصف الثمانينيات أعيد اعتقاله وخيرته الجهة المعتقِلة بين أن يصنف كإسلامي أو شيوعي!. فاختار الأخيرة، ليطلق سراحه في 3 مارس 1988 في “العفو العام” الذي يُعرف بـ “أصبح الصبح”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى