مقالات مختارة

حين يتحدث الحوثي بلسان داعش!

بديع يونس

قبل أيام قليلة أطل عبدالملك الحوثي، زعيم ميليشيات الحوثي، على جمهوره، عبر إعلامه، في خطاب طويل (وقد يكون الأطول) استمر لساعة وربع الساعة. هذا الخطاب تحوّل سريعاً إلى ما يشبه المحاضرة الدينية، بعد أن غابت عنه المواقف السياسية والتفاصيل العسكرية والتطورات الميدانية. توقيت الخطاب وما تضمنه بدا فيه جلياً وصريحاً اعتراف زعيم الحوثيين ضمنياً بهزيمة على أكثر من صعيد.
ميدانيا، يأتي هذا الخطاب في أعقاب خسائر مُنيت بها الميليشيات في أكثر من جبهة، كان آخرها في المخا ونهم الاستراتيجيتين.
واللافت الآخر في هذا الخطاب كان تشديد الحوثي على “التخاذل” وضرورة مواجهة “هذا التخاذل” في صفوف عناصره الميليشياوية. فاستُخدم التعبير في إطار الحديث عن الانهزامات الميدانية حيث وكّد وشدّد عبدالملك بقوله: “(…) معنيون بالصبر في الميدان, وأن نحذر من التخاذل, وأن نحذر من الوهن, وأن نحذر من التقصير, وأن نحذر من التفريط…” ليستتبع هذا الكلام بالقول “إن الله سبحانه وتعالى حذر من التخاذل…” وبالتالي بدّى الحديث الديني والفرض “الإلهي” ليتحوّلا حجة واحدة متبقية لديه عساه يُقنع المقاتلين بالاستمرار في قتالهم على الجبهات.
فبعد الاستماع والتمعّن مطوّلا بخطاب عبدالملك الحوثي يمكن الملاحظة بأنّ الحوثيين يمرون بمرحلة تقهقر واضحة. وهذا ما استدعى زعيمهم لتكريس هذا الخطاب الطويل لحثهم على الصبر واستعادة معنوياتهم الهابطة ميدانيا والتي وصلت بهم إلى “التخاذل” على حد قوله. وبينما لم يعد ينفع الكلام السياسي والعقائدي أو حتى المصالح المادية والمالية مع تضييق الخناق على المنابع المالية الداعمة لهم من إيران, كان لا بدّ من زعيمهم أن يحوّل دعوته إلى توجيهات “إلهية”.
بالتالي, يمكن استنتاج أن الشعور بالهزيمة والخذلان ومشكلة العدد واستقطاب مقاتلين جدد هي التي استدعته إلى التخبّط في هكذا خطاب إنشائي الطابع, ديني المضمون, استجدائي باسم “الدين” ليكون المعنى أصح.
وقد بدأ زعيم الحوثيين خطابه بإعلان النفير العام في صفوف أنصاره. ومن بعدها, باتت مهمة تعداد عدد المرات التي استخدم فيها الحوثي التعابير الدينية, مهمة شبه مستحيلة على مدار 75 دقيقة. بين سطر وآخر, وبين كلمة وأخرى يقول: “إن قتالكم في الجبهات يمثّل قربةً عظيمة إلى الله (…) رسالتكم القتالية تمثّل قربة من أعظم القرب إلى الله سبحانه وتعالى (…) قتالكم يمثل أعظم قربة إلى الله (…) وغيرها وغيرها من التعابير الدينية.
إذن، هذا الخطاب، أو “المحاضرة الدينية” بدا فيها طابع التكرار جلياً, ويستحضر الحوثي فيه الدين في كلّ مفرداته، عساه ينجح في غسل أدمغة جديدة فشل الواقع الجديد في إحقاقها. ويتكل على “الدين” للتجييش والتعبئة والتحريض على التطرف لغير المؤمنين, مكفّراً أي معارض لهم تماماً كأي تنظيم تكفيري على شاكلة داعش وأخواته. كما يكشف هذا التوجه عن معضلة حقيقية في استقطاب مقاتلين جدد أو الإبقاء على المقاتلين الحاليين على الجبهات. فالمنطق لا ينفع، و”العقيدة” غائبة و”الوطنية” التي كان يتحدث عنها في خطاباته السابقة سقطت أمام مشروعهم وممارساتهم الانقلابية بنفس المؤسسات وضرب الدولة وقتال أبناء الشعب الواحد, فيما “الإنسانية” التي كان يجاهر فيها كشفتها الانتهاكات الموثقة دوليا في المحافل الأممية الحقوقية.
من هنا، لم يعد أمام الحوثي إلا التحوّل إلى استقطاب المقاتلين عبر ما يدعيه أنه “الواجب الجهادي” على حد قوله. وبذلك نستعيد معظم الخطابات لقائد تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي، أو حتى القادة الآخرون في صفوف التنظيمات الإرهابية حين يسعون إلى استقطاب ضعفاء العقول والنفوس باستخدام الدين وسيلة لحضهم على القتال مع غياب الحجج والمنطق فيبقى استغلال تعبير “القتال في سبيل الله”، استغلالا جهنميا لمشروع إرهابي ساقط في الماضي والحاضر والمستقبل.
ورغم الاختلاف العقائدي الجوهري بين داعش والحوثيين، إلا أن التنظيمين، يجتمعان في بعض الأهداف والأدوار الوظيفية، فيما يسعيان لتفتيت الدول وتدميرها داخلياً، حتى تصبح دولاً بلا كيان، مما جعل البعض يتساءل في إشارة إلى الحوثيين: هل نحن أمام داعش آخر؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقع العربية نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى