كتَـــــاب الموقع

حين نبدو “فريسة” كئيبة

مروان العياصرة

على حدِّ تعبير راينر ريلكه، الحياة ( انتقال من هزيمة إلى هزيمة)..

لكن ماذا لو كانت الحياة برمتها انتقال داخل إطار هزيمة واحدة كبيرة ومستمرة.. ؟

ثمة هزيمة من هذا النوع الكبير والمستمر التي تتسع لكل شيء، إنها الهزيمة أمام الأفكار، أن نكون مهزومين أمام أفكارنا عن الحياة والعيش والثقافة.

بالفعل نحن مواطنون، لكننا مهزومون في حقوقنا الوطنية البريئة، حتى صارت الوطنية هزيمة ملونة أمام أفكار السماسرة والتجار..

نحن أحرار لكننا متهمون بأكثر صور الحرية قتامة واستفزازا..

متهمون بتعكير المزاج، وإطالة اللسان، واقتصادياً متهمون بإطالة الأحلام، وفي الثقافة والإعلام متهمون بأننا نحشر أنوفنا الطويلة و”المفلطحة” فيما لا يعنينا.

كعربي عاش هزائم أمته كلها في التاريخ والواقع وفي الشعر والروايات، أصبح مسكوناً بهزيمته الكلية المستمرة،

أصبح مهزوما أمام أفكاره الوطنية إذ يكتشف أن الوطن إما مصادر أو محاصر، وأنه وحده من يدفع الثمن. ومهزوما أمام أفكاره في الحرية حين يكتشف أنه دائما مدان، ومهزوماً أمام أفكاره عن الثورة – مثلا – حين وجد أنها مصيدة، وأن الشعوب فريسة كئيبة.

ومهزوما أمام أفكاره عن الديمقراطية التي يتذوقها ويلعق أصابعه القصيرة بشهوة، تشابه، حالة الذئب الجسور، الذي مكث يلحس المبرد، وكلما رأى دم لسانه عليه حسبه دم فريسة دسمة.

ومهزوما أمام نفسه في قدرته على الصمود والمواجهة والتحدي أو الرضوخ والصمت، مهزوما أمام أفكاره عن الدولة برمتها حين يعرف أن المؤسسات الرسمية شركات مساهمة، والحكومات التنفيذية ميليشيات سياسية، والبرلمان جوقة موسيقيين فاشلين يعزفون بأصابع حادة وأوتار مقطوعة.

الحديث ليس عن دولة، إنما عن دول تتضخم فيها الهزيمة يوما بعد يوم، وعن شعوب ممتدة من الماء إلى الماء ولكنها غثاء، والغثاء رغوة الأشياء، أو مثل غثاء الليل أو كالحشائش اليابسة.

نحن مهزومون أمام التاريخ بوصفه ماض متهم بالرجعية، ومهزومون أمام الحاضر بوصفه حالة ملتبسة متهمة بالفتن والموت، ومهزومون أمام المستقبل بوصفه حالة انتظار كسول.

أعترف ..
هذه وجبة دسمة من التشاؤمية الخانقة، لكن الطعام غير الدسم أصابنا بالجوع ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى