مقالات مختارة

حين تخلى نداء تونس على فكرته الأساسية

الحبيب الأسود

حزب نداء تونس تأسس على فكرة التصدي لتمدد الإخوان وعندما توافق مع النهضة خسر الكثير، وحتى يتلافى السقوط التام عليه أن يعود إلى فكرته الأساسية.

نجل الرئيس سبب دخول النداء في صفقة التوافق مع النهضة
من السهل أن يرفض قياديون في حركة نداء تونس الاعتراف بأن حزبهم قد تعرض إلى انتكاسة حقيقية في الانتخابات البلدية، وأن حليفهم الإخواني قد تفوق عليهم واخترق حصونهم، ولكن من الصعب أن ينتظروا تشريعيات ورئاسيات العام 2019 بثقة مثل التي خاضوا بها انتخابات 2014.

في العام 2012، أعلن الباجي قائد السبسي عن تأسيس حركة قال إنها تنهل من التراث البورقيبي، وتدافع عن دولة الاستقلال وقيمها الحداثية والمدنية، وجمع حوله روافد تجمّعية (نسبة إلى التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم قبل 2011) ودستورية (نسبة إلى الحزب ذاته في نسخته البورقيبية) ويسارية ونقابية وليبرالية، ليتصدى للمد الإخواني الذي تمثله حركة النهضة ضمن سياق إقليمي كان يتجه لتمكين الإسلام السياسي من مقاليد السلطة في المنطقة العربية إثر ما سمّي بثورات الربيع العربي.

جاء قرار السبسي ضمن رؤية تداخلت فيها المؤثرات الداخلية مع الخارجية، بعد انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011، ووصول النهضة إلى الحكم، واتساع دائرة التشنج الاجتماعي، وارتفاع مؤشرات الخطر الذي يتهدد مكاسب البلاد الحداثية عبر استهداف النموذج المجتمعي، وظهور بوادر التطرف والإرهاب وتسفير الشباب للقتال في بؤر التوتر، إضافة إلى انخراط حكم الترويكا في مشروع تعميم الفوضى بالمنطقة انحيازا لإخوان بقية دول المنطقة.

في 2013 تحول نداء تونس إلى حزب كبير، رغم مرور أقل من عام على تأسيسه، حيث التحق به المدافعون عن تونس التي يعرفونها، وما زاد في اتساع قاعدة مناصري الحركة اغتيال الزعيمين اليساريين المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وتسجيل أحداث إرهابية استهدفت عسكريين وأمنيين، وخوف النساء على مصيرهن بعد أن أصبحت حريتهن مستهدفة من قبل المتشددين. يضاف إلى ذلك، أن مؤسس الحركة الباجي قائد السبسي برز بكاريزما أهلته لقيادة أنصار النظام السابق المرعوبين من دعوات الثأر والمحاسبة، ولنيل احترام القوى الحداثية بما فيها اليسارية، ولاكتساب دعم ومساندة أطراف إقليمية وأجنبية راهنت على قدرته على إعادة التوازن إلى المشهد السياسي.

في انتخابات 2014 نجح السبسي في سباق الرئاسة وفاز حزبه بصدارة المشهد البرلماني، وكان لافتا أن يحظى بمليون صوت نسائي، وكان واضحا أن أغلبية ممن انتخبوه كانت تنتظر أن تضطلع حركة نداء تونس بمسؤولية الحكم بالتحالف مع التيارات المدنية والتقدمية، غير أن ضغوطا خارجية دفعت به إلى التحالف مع الإسلاميين.

وبينما اتجه السبسي إلى قصر قرطاج ليصبح رئيسا لكل التونسيين وفق نص الدستور، تعرض الحزب إلى الاختراق من الداخل وتصدّعت جدرانه، وغادره أبرز المؤسسين، وخصوصا بعد ظهور نجل الرئيس، وسعيه إلى وضع اليد على ما اعتبره إرثا عائليا، ودخوله في صفقة التوافق مع النهضة بدعم من الرئيس التركي وأمير قطر اللذين استقبلا حافظ قائد السبسي.

أصبح كل ما يهم نداء تونس هو استمرار التوافق مع الإخوان، وهو ما أفقده بريقه في عيون مناصريه، وأفرغه من مضمونه ليتحول من الحزب الذي يعيش على فكرة التأسيس، إلى الحزب الذي يستفيد من موقعه في السلطة ليحافظ على بقايا أمله في الحياة، وقد أثبتت الانتخابات البلدية أنه لم يعد هو ذاته حزب 2013 أو 2014.

حركة النداء التي لم يعد لها ما يمكن الاعتماد عليه، ما عدا ما تبقى من رمزية الرئيس الباجي قائد السبسي، سيكون من الصعب عليها أن تخوض رئاسيات وتشريعيات 2019 بأمل في الفوز، ما يفرض على عقلائها إعادة النظر في واقعها المتأزم، عبر اجتراح حلّ يرأب التصدعات السابقة، ويعيد تجميع المنشقين شخصيات وأحزابا في إطار ديمقراطي، ويختار قيادة تحظى بالإجماع من خلال مؤتمر وطني جامع.

إن الحزب، أي حزب، يتأسس على فكرة، وعندما يتخلى عنها يكون مآله الانشطار والانهيار، وحزب نداء تونس تأسس على فكرة التصدي لتمدّد الإخوان وعندما توافق مع النهضة خسر الكثير، وحتى يتلافى السقوط التام عليه أن يعود إلى فكرته الأساسية، وإلا فعليه أن يقبل بمصيره المحتوم، والذي لن يكون أقل من الانحلال وتسليم البلاد بالكامل للإسلاميين.

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى