اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

حول مفهوم الشعبوية

عمر أبو القاسم الككلي

كل الأشياء، تقريبا، تند، إلى هذا الحد أو ذاك، عن الانحصار في تعريفات فاصلة.
لكن الإنسان، مع ذلك، في مسيس الحاجة إلى وضع تعريفات، ولو فضفاضة، للأشياء من أجل تنظيم العالم من حوله وتصنيف أشيائه للسيطرة عليه معرفيا واستخدامه لفائدته عمليا.
وتزداد الصعوبة وتتفاقم الإشكالية في مجالي الظواهر الاجتماعية والمسائل الفكرية.
من الظواهر الاجتماعية التي تراوغ التعريف ما يعرف بـ “الشعبويةpopulism”. فلقد “أصبح لازمةcliché تقريبا استهلالُ الكتابة عن الشعبوية بالشكوى من عوز هذا المفهوم للوضوح وإلقاء الشكوك حول جدواه في التحليل السياسي” (1:1)*. وبذلك تكون”الشعبوية” (1:1) وصفا تحليليا analytical attribution أكثر منها مصطلحا termيتقبله الفاعلون السياسيون. فبعض الدراسات تدمج الشعبوية ضمن “المفاهيم-الحقائب” (2: 119) بسبب استعمالها في سياقات متنوعة ووضعيات سياسية مختلفة.
إلا أن كون الشعبوية أضحت جزءا من المشهد السياسي، ويبدو أنها ستبقى كذلك مستقبلا (1: 1)، جعل من الأهمية بمكان الاجتهاد في دراستها وضبطها مفاهميا.
ظهر مصطلح الشعبوية بأمريكا تسعينيات القرن التاسع عشر مرتبطا بتأسيس حزب الشعب سنة 1892، المعبر عن مصالح الفلاحين والعمال. وفي الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين (بين عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين) اكتسحت الشعبوية معظم البلدان الأوربية المهمة (مثال: الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا) محدثة منعطفا جديدا في مجرى التاريخ. ومنذ بداية ثمانينيات القرن الماضي تعود الشعبوية إلى أوروبا والولايات المتحدة مع نهوض اليمين في مختلف تجلياته.
ويمكن وضع إطار عام يعرف الشعبوية من حيث هي:
“خطاب سياسي يقوم على إقناع الآخرين بناء على مخاوفهم وقناعاتهم السياسية السابقة ودغدغة عواطف الجماهير لكسب تأييدها في الوصول للسلطة وهي تختلف عن الشعبية التي تعتمد على استمالة الجماهير بناء على ما يحمله الخطاب من أرقام ومعلومات وخطط وبرامج مادية محسوسة” (3).
فالشعبوية، إذن، مرتبطة بمفهوم الشعب واعتباره صاحب السيادة والكلمة العليا، لذا تشمل كل التيارات المنادية بهذا المبدأ من اليسار واليمين والتيارات الدينية والعلمانية. وهي، بصفتها هذه، ضد النخب والنخبوية إلى درجة الحساسية**
لذا يتميز “القادة الشعبويون بكونهم صداميين confrontational أكثر مما هم تعاونيونcollaborative وإقصائيين exclusiveأكثر من كونهم إدماجيين inclusive” (4). وحين يتولى قادة شعبويون سدة الحكم في بعض البلدان تتجلى لديهم نزعة المجابهة والصدامية. ذلك أنه
“لكي يحافظ الزعيم على زعامته لا بد له أن يخلق عداوات داخلية وخارجية ليعبيء على أساس بُعْبُعِها شعبيته الداعمة. هو غالبا يعد بحل المشاكل دون أن يحلها فعلا. بل قد يعمل على مضاعفتها وتقويتها. لأن انتفاء المشاكل، أو تقليصها إلى الحد الأدنى، يبطل الحاجة إليه أو يقلل من أهميته. الزعيم يجد في الاحتقان الداخلي والضغط الخارجي مجالا خصبا لازدهار زعامته” (5).

ويوجد تنوع في أشكال الظاهرة الشعبوية، دون أن يعني ذلك عدم وجود مشتركات في ما بينها. وفي هذا الصدد يمكن إيراد التصنيفات التالية (2: 121- 123):
– الشعبوية الاحتجاجية والشعبوية الهوياتية: يوصف النموذج الأول بالاحتجاجي والاستفتائي ويعبر عن عداء عميق للنخب في مقابل الشعب، وعن عدم الثقة في الحكومة التمثيلية باعتبارها تعبيرا عن ديموقراطية القلة.
أما الشعبوية الهوياتية فتتبنى مفهوم الشعب بالمعنى الإثني. فالتمييز لديها ليس بين من في الأسفل ومن في الأعلى وإنما بين “الأصيل” و “الدخيل”. وبالتالي فهي معادية للأجانب.
– شعبوية المعارضة وشعبوية الحكومة: فمثلما توجد تيارات معارضة شعبوية توجد حكومات أو أنظمة سياسية شعبوية.
– الشعبوية المنظمة والشعبوية غير المنظمة: هناك شعبوية لا يضمها تنظيم كما هو الحال مع نوادي المثقفين الروس والشعبوية الكاثوليكية بداية القرن العشرين وشبكات المكارثية الأمريكية. وثمة شعبوية تشكلت في تنظيمات هرمية وشبه عسكرية متميزة بذلك عن الأحزاب التقليدية، مثلما هو الوضع مع Vlaams Blok البلجيكية و Liga du Nord في إيطاليا.
– الشعبوية التعليمية والشعبوية الحركية: ظهر هذان التياران في سياق الشعبوية الروسية التي ظهرت في صفوف المثقفين، وركزت الأولى على تعليم الشعب للوصول إلى الثورة وركزت الثانية على الثورة مباشرة.
-الشعبوية الفلاحية والشعبوية السياسية: ثمة من قسم الشعبوية إلى ستة أنواع موزعة على طبقتين: فلاحية، وتضم: راديكالية فلاحية، حركة الفلاحين، اشتراكية فلاحية مثقفة. وسياسية وتضم شعبوية ديكتاتورية، الديموقراطية الشعبوية والشعبوية السياسوية.
ويمكن إضافة الشعبوية السلفية في الوطن العربي والعالم الإسلامي (2: 124) التي تتبنى خطابا تعبويا تبسيطيا يخاطب ما هو جاهز لدى جماهير المؤمنين وتعادي النخب وغير المسلمين وتعارض حرية الرأي وحرية العقيدة والفنون والآداب والتجديد الفقهي المتلائم مع إلزامات التطور التاريخي.

المراجع والملاحظات:
*يشير الرقم الأول إلى رقم المرجع في القائمة أدناه، ويشير الرقم الثاني إلى رقم الصفحة المقتبس عنها.
1- FRANCISCO PANIZZA, Populism and the Mirror of Democracy . In: FRANCISCO PANIZZA(edit), Populism and the Mirror of Democracy, London-New York, Verso, 2005
2- إبراهيم أولتيت. المتغير والثابت في الشعبوية. شؤون عربية. ع 169، 2017.
3- المحاميمحمدالعودات. الشعبويةفيخطابتجمعاتالإسلامالسياسي. (https://www.assawsana.com/portal/pages.php?newsid=303348). شوهد يوم12. 6. 2017.
4.Ray Dalio Steven Kryger Jason Rogers Gardner Davis, Populism: The Phenomenon. (http://www.obela.org/system/files/Populism.pdf). Accessed on 12th.6. 2017.
5- عمر أبو القاسم الككلي. أردوغان: رئيسالتركيامدىالحياة؟

أردوغان: رئيسا لتركيا مدى الحياة؟


شوهد يوم 12. 6. 2017
**في ليبيا مثلا، في طرابلس، أنشيء فندق ومقهى باسم “الصفوة”. وسرعان ما أجبر مالكه على تغيير الاسم إلى “الصفاء”!. لأنه لا محل للصفوة في “المجتمع الجماهيري”. أي الشعبوي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى