مقالات مختارة

حكايات عراقية أيام البطالة

خالد القشطيني

تشكو الجماهير العراقية وسواها من الجماهير في الشرق الأوسط في هذه الأيام وسواها من الأيام من مشكلات البطالة وانغلاق أبواب الرزق. يضطر بعد ذلك بعضهم إلى ارتكاب الجرائم كالسرقة والنهب والخطف والإرهاب.
ولكنهم بعملهم هذا يزيدون الطين بلة، فالجرائم تؤدي إلى تخلخل الاستقرار. وانعدام الاستقرار يؤدي بدوره إلى التردد في الاستثمار وإقامة المشروعات. وهذا طبعاً يعني قلة العمل. إنها دائرة مفرغة. زاد من مشكلتها مجيء العناصر الإرهابية الأجنبية التي عزمت على منع الدولة من الوقوف على قدميها.
ولكن مشكلة البطالة عندنا ليست بالشيء الجديد. إنها قديمة قدم حضاراتنا. وقد وردت عنها حكايات وطرائف كثيرة شاعت بين الناس وملأت بطون الكتب. يكسب كثير من أبناء المدن النهرية كالموصل والبصرة والكوت والهندية بصورة خاصة رزقهم من صيد السمك. سمكة واحدة تكفي لإطعام الأسرة ليوم كامل.
ولكننا هنا أيضا واجهنا دائرة مفرغة، فالانهماك بصيد السمك يؤدي إلى تخفيض كمية السمك في النهر، وهو ما حصل في أوروبا بحيث أوشك على الاصطدام بين بعض الدول فقرروا تقنين ما يسمح بصيده.
تعاظمت هذه الأزمة في العراق في الخمسينات فأصدر نوري السعيد أمراً بمنع صيد السمك قرب سد الكوت. أدى هذا إلى خراب بيوت الصيادين فاجتمعوا وبعثوا ببرقية إلى رئيس الوزراء بهذا النص:
«فخامة رئيس الوزراء الموقر، نحن صيادو السمك. لقد حرصنا دائماً على إطاعة أوامر الحكومة وخدمة العلم. فوجئنا بقرار متصرف لواء الكوت بمنعنا من الصيد بحجة أن الموسم موسم تكاثر الأسماك. إن صيد السمك هو مصدر عيشنا الوحيد. فهل ترضى حكومة فخامتكم بأن يموت أبناء الشعب جوعاً من أجل أن يعيش السمك؟».
الجملة الأخيرة عامرة بروح النكتة والفكاهة وتدحض دعوى من يقول إن الشعب العراقي يفتقر لروح النكتة.
عانى الخريجون والمثقفون من هذه المشكلة، مشكلة البطالة. كان منهم صديقي الشاعر زاهد محمد. بشروه بوجود وظيفة آمر مخزن في السكك الحديدية. ولكنه وجد أن هذه الوظيفة مشغولة الآن برجل من أبناء الآثوريين. وقد عزم على الهجرة إلى أميركا.
ولكنه ظل يتردد في السفر. اضطر أبو عمار إلى مصاحبته ودعوته للغداء والعشاء وكل شيء ليقنعه بمحاسن الحياة في أميركا، البنات الحلوات والهمبرغر الشهي والكوكاكولا بأرخص الأثمان. والدولار يا عيني الدولار! ولسان حال صاحبي يردد لي هذا البيت الشعبي:
دوري يا دنياي بهالفلك دوري
يمكن تصطفي ويرحل الآثوري
ولكن كل هذا الدعاء والمغريات لم تقنع المواطن الآثوري. ظل يفضل العراق على أميركا وبقي حيث هو. اضطر الشاعر إلى فتح مكتب ترجمة ومراجعات ولكن محاولته هذه أيضاً فشلت واضطر إلى بيع المكتب وهو ينشد:
أنا في المزاد ومكتبي
للراغبين به وبي
يا مشترين تهافتوا
من يشترينا يكسب
أنا جاهز حتى بلا
ثمن ودون مرتب
بالنقد والتقسيط أو
حتى بوعد خلّب

__________________________________

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى