كتَـــــاب الموقع

حدود الدم: من أجل شرق أوسط أفضل (2)

رالف بيتيرس

ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي

أكثر حالات الظلم سفورا في الأراضي سيئة السمعة الخالية من العدل، الواقعة بين جبال البلقان والهملايا، تتمثل في غياب دولة كردية. يوجد ما يتراوح بين 27 و36 مليون كردي يعيشون في مناطق متجاورة بالشرق الأوسط (الأرقام غير دقيقة لأنه ما من دولة هناك سمحت بإحصاء نزيه). وهذا العدد يزيد على عدد سكان العراق الحالي، وحتى لو كان العدد أقل فإنه يجعل الكرد أكبر مجموعة إثنية في العالم ليس لها دولة خاصة بها. أسوأ من ذلك، تعرض الكرد إلى قمع من قبل كل الحكومات المسيطرة على التلال والجبال التي يعيشون بها منذ عهد كسينوفون*.

لقد فوتت الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف فرصة رائعة للبدء بإصلاح هذا الجور بعد سقوط بغداد. هذا الفرانكشتاين الخطر كان ينبغي أن يقسم فورا إلى ثلاث دول صغيرة. لقد فشلنا بسبب الجبن وافتقاد البصيرة، مرهبين كرد العراق كي يؤيدوا الحكومة العراقية الجديدة، وهو الأمر الذي قاموا به في حزن مقابل نيتنا الحسنة. لكن إذا ما أجري استفتاء حر، فلن يكون ثمة أدنى شك: ما يقارب 100% من كرد العراق سيصوتون لصالح الاستقلال.

وهو ما سيفعله أيضا أكراد تركيا الذين عانوا طويلا وكابدوا عقودا من القمع العسكري وعقودا من الإلجاء إلى “الجبال التركية” في محاولة لاستئصال هويتهم. ورغم أن قبضة أنقرة على الكرد تراخت إلى حد ما خلال العقد الماضي، فإن القمع تفاقم مجددا مؤخرا وينبغي اعتبار الخمس الشرقي من تركيا أراض محتلة. وبالنسبة إلى كرد سوريا وإيران، فإنهم، هم أيضا سيهرعون للالتحاق بكردستان المستقلة إذا استطاعوا. إن رفض ديمقراطيات العالم الشرعية الدفاع عن استقلال الكرد يعد خطيئة متعلقة بمهمة رعاية حقوق الإنسان أسوأ من الخطايا الصغرى الخرقاء التي تثار بانتظام في وسائل إعلامنا. وبالمناسبة: فإن كردستان حرة ممتدة من ديار بكر عبر تبريز ستكون أكثر الدول ولاء للغرب بين بلغاريا واليابان.

إن ترتيبا عادلا في المنطقة قد يدفع الأقاليم العراقية الثلاثة ذات الأغلبية السنية (التي ستكون دولة مبتورة) في النهاية إلى اختيار الاتحاد مع سوريا، التي ستخسر أراضيها الساحلية لصالح لبنان أكبر مواجه للبحر الأبيض: ولادة جديدة لفينيقيا. شيعة جنوب العراق القديم سيضعون أساس دولة شيعية عربية تحف كثيرا من الخليج الفارسي. أما الأردن فسيحتفظ بأراضيه الحالية مع بعض التمدد نحو الجنوب على حساب العربية السعودية. ومن جانبها، ستعاني دولة العربية السعودية غير الطبيعية تفكيكا عظيما مثل الباكستان.

السبب الجذري في الركود الواسع بالعالم الإسلامي، هو معاملة العائلة الملكية السعودية لمكة والمدينة كإقطاعية خاصة. فبوجود المشاعر الإسلامية المقدسة تحت سيطرة دولة بوليسية تعد واحدة من أكثر الأنظمة القمعية المتعصبة، وهو نظام يتحكم في ثروة نفطية لم يبذل فيها مجهودا، أتاحت للسعودية القدرة على تقديم رؤيتها الوهابية الخاصة بمعتقد متزمت انضباطي خارج حدودها. صعود السعوديين إلى الثروة وبالتالي، النفوذ، كان أسوأ ما حدث للعالم الإسلامي بمجمله منذ عهد النبي، وأسوأ ما حدث للعرب منذ الغزو العثماني (وربما المغولي أيضا).

بينما لا يمكن لغير المسلمين إحداث تغيير بخصوص السيطرة على المدن المقدسة، فتصور كم يكون أكثر صحية ما قد يصبح عليه العالم الإسلامي حين تكون مكة والمدينة مدارة من قبل مجلس دوري يمثل المذاهب والحركات الإسلامية في دولة إسلامية مقدسة – نوع من فاتيكان إسلامي أعلى – حيث يكون مستقبل الدين العظيم قابلا لأن يُناقش بدلا من أن يُشرع فقط. العدالة الحقيقية – التي قد لا نحبها – ستعطي أيضا حقول نفط العربية السعودية الساحلية للشيعة العرب القاطنين في تلك المنطقة الفرعية، في حين أن الربع الجنوبي الشرقي سيذهب إلى اليمن. بحصرها في كفل الأراضي المستقلة السعودية حول الرياض، فإن البيت السعودي سيكون أقل قدرة بكثير على إيذاء الإسلام والعالم.

ستخسر إيران، الدولة ذات الحدود المندفعة**، مقدارا كبيرا من أراضيها لصالح أذربيجان الموحدة وكردستان الحرة ودولة الشيعة العرب وبلوشستان الحرة، بيد أنها ستربح الأقاليم المحيطة بحيرات في أفغانستان الحالية – المنطقة ذات الوشائج التاريخية واللغوية مع فارس. في الواقع ستصبح إيران دولة الإثنية الفارسية مرة أخرى، مع الأخذ في الاعتبار القضية البالغة الصعوبة حول ما إذا كان ينبغي لها الاحتفاظ بميناء بندر عباس أم عليها أن تسلمه لدولة الشيعة العرب.

ما ستخسره أفغانستان لصالح فارس في الغرب، ستربحه في الشرق، حيث أن القبائل الحدودية شمال غرب باكستان ستتوحد مجددا مع أخوتها الأفغان (النقطة المهمة في هذه الممارسة ليست متعلقة برسم خرائط حسب رغبتنا، ولكن مثلما يفضلها السكان المحليون). باكستان، الدولة الأخرى غير الطبيعية، ستخسر أيضا أراضي البلوش لصالح بلوشستان الحرة. المتبقي من باكستان “الطبيعية” سيكون بكامله شرق نهر السند، باستثناء النتوء الغربي قرب كراتشي.

* كسينوفون أو زينوفون Xenophon ) 431- 354 ق. م) فيلسوف يوناني ومؤرخ وجندي ومرتزق وكان أحد طلاب سقراط. عرف زينوفون بتأريخه لزمانه المعاصر حيث يروي عمله “هيلينيكا” السنوات السبع الأخيرة للحرب البيلوبونيسية وآثارها.

** يقصد أن إيران ذات نوايا توسعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى