اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

جيل الغضب ورشيد طه في ليبيا

حمزة جبودة

الكتابة عن رحيل الفنان الجزائري رشيد طه، وعن فن الراي، تحتاج الكثير من الاستدعاءات، التي كانت حاضرةً بقوّة في فترة التسعينيات، وعن الجيل الذي أنتمي له. والتفكير في التفاصيل الصغيرة التي تحمل الكثير عن “جيل الغضب” وما كانت عليه ليبيا، في تلك الفترة. منها الحقائب الصغيرة المهربة من مالطا، والتي تحتوي على “الدوبلا” و”ترونكي” وغيرها التي كانت بمثابة “فاكهة الجنة”، ومن يتذوقها يعني أنه تجوّل في أزقّة العالم وعرف ثقافة الآخرين.

رحيل الفنان رشيد طه، ليسَ بالأمر الهيّن، الذي يُمكن أن يمرّ مرور الكرام. فهو يُمثّل جُزءًا من ذاكرة الجيل الذي صادف حضوره في زمن “اللاحرب واللاسلم”، لم يكن شاهدًا على مرحلة الخمسينيات، التي بدأت فيها ثقافة الثورات تمتد، ولا بعد “النكسة” في 1967. المشهد وقتها تجاوز كل هذه المراحل التي غيّرت وجه المنطقة، والرموز. هو زمن الثمانينيات الذي أنتمي له، والذي كان عنوانه “الحصار”.

في العام 1995، أهدانا الشاب خالد، أغنيته الخالدة “البختة”، وبعدها بعام كانت رائعته “عايشة”، ومن ثم في العام 1997، كانت ضربته التي قسمت ظهرنا “وهران وهران”، ولامست الجُرح الأول، الغُربة التي لم نعرف قسوتها إلا من خلاله وقتها. ، وبعدها بدأ فن الراي بجمع بعض من أبنائه في العام 1998، الشاب خالد وفضيل والراحل رشيد طه، في حفلة كان نجمها الأوحد “عبدالقادر بوعلام”.

رشيد طه، مزج غُربته بالفن، وجعلها مسحوقًا قابلا للوجبة الأكثر حضورا في كل المراحل، السفر والهجرة غير القانونية لأجل البحث عن حياة تليق بالأحلام الشابة الهاربة من طغيان الثورة والضباط الأحرار الذين كانوا نجوم المنطقة حينها. في إعادة إحياء أغنية “يارايح وين مسافر” الفنان الجزائري القدير الراحل “دحمان الحراشي” ونجح في جعلها الأغنية الأكثر انتشارا. ودخل بها العالم الجديد، العالم العربي، بعد فرنسا وأوروبا.

الحديث عن الراي، يمتاز بعدّة عوامل هامّة، منها أنك لا تستطيع إغفال أحد من رموزه القُدامى أو الجُدد، ستكتشف لا إردايًا بأنك يجب أن تسمع للجميع، وتكتشتف بنفسك هذا العالم المليء بالقصص التي امتزج بعضها بالحرب التي كانت تخوضها الجزائر مع الإرهابيين، ومازالت متأثرة بها حتى يومنا هذا.

الشاب مامي، لم يكن غائبًا عن رفاقه، ولكنه كان مشغولا وقتها، في الساحة الفنية العربية، والعمل مع عدّة فنانين عرب وأجانب، أعادهم للصدارة، في أوقاتٍ كانوا فيها يدفعون الأموال الطائلة للانتشار عربيًا بشكل كبير.

بعد إعلان خبر وفاة رشيد طه، حاول الشاب خالد أن يكون قويًّا أمام الحدث ومغادرة رفيقه، واكتفى بأن يقول في جُملة تُغنى كثيرا لمن يعرف قسوة الغياب: “رشيد ولد بلادي وصاحبي من بكري”.

لا يمُكنني أن أجمع في هذا الحديث، أو المحاولة، كل الأغاني التي كنت أحفظها عن ظهر قلب، ولا حتّى أسماء الفنانين والفنانات في الجزائر الذين أحبّهم وأقدّرهم، لأنني لست مرحلة بأسرها، إنما جُزءًا صغير جدا، يُحاول تجميل ذكرياته، أو تنظيفها من قساوة كان فيها فن الراي، المحارب الوحيد في صفّي وصفّ جيل الغضب، الذي مازال يتذكر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى