اخترنا لكحياة

“جوزيه ساراماغو” أستاذ “الخيال” المتشائم

أن تولد وسط الفلاحين الذين لا يملكون أرضًا، أو بالأحرى لا يملكون شيئا، في فقر وحياة مضطربة وتحديات متواصلة وحروب تدور حولك، فهذا قد يكون ظرفا مهما للكثير من المبدعين وخصوصا من الكتاب، كما تقول فكرة الأقوال المأثورة :”من رحم المعاناة يولد الإبداع”
في قرية آزنياغا الصغيرة عام 1922، ولد جوزيه دي سوزا الذي تحتم عليه الانتقال إلى لشبونة بعد عامين مع عائلته بسبب عمل والده كشرطي، إلا أن جوزيه كان يقضي معظم طفولته في القرية رفقة جده وجدته، حيث اكتسب مخيلة خصبة وفريدة من دون أن يعلم!
ومرت السنوات، حتى صار جوزيه يعرف باسم جوزيه ساراماغو، واحدا من أعظم الكتاب عبر التاريخ، ولو أنه شهير بالتشاؤم ويلقب بـ”مادح الموت” فبيعت أكثر من ميلوني نسخة من أعماله في البرتغال وحدها وتمت ترجمة أعماله إلى 25 لغة، إضافة إلى حصوله على جائزة نوبل للآداب عام 1998

بداياته

انتقل ساراماغو إلى مدرسة مهنية وهو في الـ12 من عمره نظرا لعدم قدرة أسرته على تحمل تكاليف دراسته، وقد عمل بعد تخرجه في ميكانيكا السيارات وفي صناعة الأقفال لمدة عامين، قبل أن يخطو خطوة جريئة بالعمل كمترجم، وهو عمل لم يكن ثابتا ولا مضمون الربح في ذلك الوقت
عمل سارامواغو كصحفي واستطاع بأسلوبه الساحر أن يتطور في مهنته فوصل إلى منصب مساعد رئيس التحرير في صحيفة دياريو نوتيسياس، لكنه اضطر للاستقالة من منصبه فيما بعد ثورة القرنفل، بسبب مواقفه السياسية
كتب ونشر روايته الأولى “أرض الخطيئة” عام 1947 ولكنه توقف عن الكتابة ما يقرب العشرين عاما ليصدر عام 1966 ديوانه الشعري الأول قصائد محتملة وتبدأ رحلة المغامر جوزيه في عالم الأدب

شهرته

 

لم يحظى ساراماغو بشهرته وهو شاب، لكن منذ أن تخطى سن الستين بدأت تلمع سيرته بين الناس شيئا فشيئا، فكتاب “الرسم والخط” الذي تحدث فيه عن رؤيته لثورة القرنفل ومعالجتها فلسفيا وثقافيا، كان بوابة شهرته بحسب العديد من النقاد
وكانت رواية الطوف الحجري هي الأخرى واحدة من أهم أعماله، فقد تحدث فيها عن حالة انضمام البرتغال إلى الاتحاد الأوروبيّ في ظل رفض بعض الدول الأوربية بشدة بطريقة فانتازية مختلفة وجديدة
إضافة إلى روايته “سنة موت ريكاردو ريس” وهي من الروايات التي مهدت حصوله على جائزة نوبل، تماما مثل رواية “الإنجيل يرويه المسيح” التي أثارت جدلا واسعا وساهمت في توزيع اسمه وانتشاره

العمى

 

تعد رواية العمى واحد من أفضل مائة رواية لدى العديد من القراء، وهي أهم عمل لساراماغو من حيث المخيلة والإبداع، حيث تتحدث عن مدينة مجهولة متخيّلة وبلا أسماء ولا تفاصيل يتفشى فيها وباء يصيب معظم سكانها بالعمى
ويطرح ساراماغو إشكالية تخاذل السلطات مع حالة اجتماعية مفاجئة ومعقدة مثل هذه، واستحالت المدينة إلى مجموعة من اللصوص والمجرمين، وفيي نهاية الرواية يعود البصر لجميع من أصابهم العمى فجأة، ليجدوا أن منظومتهم الاجتماعية قد انهارت تماما
يرمي ساراماغو من خلال هذه الرواية إلى مد البصر نحو حقيقة العمى، فهو ليس العمى الحسي بقدر ما هو العمى الفكري والأخلاقي الذي يساهم في انهيار أي مجتمع
تم تحويل الرواية إلى فيلم باللغة الإنجليزية من إخراج فرناندو ميريليس، وبطولة كلا من مارك رافالو بدور الطبيب و جوليان مور بدور زوجة الطبيب، وتم إفتتاح الفيلم في عام 2008 خلال مهرجان كان السينمائي بحضور ساراماغو الذي اجهش بالبكاء متأثرا أثناء احتفائهم به

انقطاعات الموت

 

“في اليوم التالي لم يمت أحد”
هذه افتتاحية رواية “انقطاعات الموت” التي تعتبر واحدة من الروايات الأكثر قراءة حول العالم، فهي تطرح قضية خيالية شائكة ومعقدة كما هي عادة قضايا جوزيه ساراماغو، وتدور أحداثها في دولة ينقطع الموت عن أهلها
وبالرغم من أن هذا يبدو جميلا، فجميع السكان سيكونون خالدين وتغيب عنهم الفجائع، لكن الأمر في الرواية يتحول إلى كارثة ومعضلة قاسية، فقد خلفت هذه الظاهرة آثارا سلبية على المجتمع وزعزعة كل شيء فيه حتى صار الناس يتمنون الموت
وهذا النمط من كتابات ساراماغو جعلته في مصاف مبدعي الأدب وواحدا من الأسماء التي حجزت مقعدها في قلوب وعقول ملايين القراء حول العالم وبلغات وخلفيات وأعراق وألوان مختلفة

أفكاره ومواقفه السياسية

 

يعتبر ساراماغو ملحدا ومتأثرا بالماركسية، وكان من أنصار الفوضوية الشيوعية وعضوا في الحزب الشيوعي البرتغالي، وكان في موقف معادي لسياسات الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي وقد بادلوه العداء
على الرغم من خوضه المعارك السياسية أثناء نشاطه وترشيحه لأكثر من منصب، إلا أن الكنيسة الكاثوليكية لطالما كانت تشن الحملات ضده، حتى من الفاتيكان نفسه
في عام 1992 أصدرت الحكومة البرتغالية بقيادة رئيس الوزراء أنبيال كافكو سيلفا أمراً بإزالة رواية الإنجيل يرويه المسيح من القائمة القصيرة لجائزة زاعمين أنها مسيئة دينياً. وقرر بعد ذلك السفر بلا رجعة إلى الجزيرة الأسبانية لانزاروت (جزر الكناري)، وبقي فيها حتى وفاته عام 2010

حياته الشخصية ووفاته

 

تزوج ساراماغو من آيلدا ريس في سنة 1944 ورزقا بإبنة وحيدة تُدعى فيولانتي عام 1947. وفي عام 1986 إلتقى بالصحافية الإسبانية بيلار ديل ريو لتصير فيما بعد مترجمته الرسمية إلى الإسبانية وزوجته في عام 1988، ليبقيا سوية حتى وفاته
وقد كان يعاني سارامغو من اللوكيميا والالتهاب الرئوي، ومات في 18 يونيو عام 2010، بعد سنوات تجاوزت الـ88 من الإبداع والمعاناة، وفي مزيج بين الواقعية المفرطة في رؤاه السياسية والخيال البعيد في رواياته ومسرحياته الأدبية
الغريب في الأمر أن البرتغال قد أعلنت الحداد عليه لمدة يومين، وشيعت جنازته بحضور 80 ألف شخص، لكن من دون حضور الرئيس سيلفا الذي شطب أحد أعماله من القائمة القصيرة لجائزة برتغالية قديرة

جوائز تحصل عليها

 

عام 2009 تحصل ساراماغو على ساو باولو للآداب كأفضل كتاب في السنة عن رواية “مسيرة الفيل”، لكن قبل 11 عاما تحصل على جائزة الأكاديمية السويدية “نوبل” للآداب 1998، بعد إعلان مفاجئ له ولرئيس تحريره
فقد كان جوزيه على وشك السفر لألمانيا لحضور معرض فرانكفورت للكتاب، وقد أشادت لجنة نوبل بأعمال ومخيلة ساراماغو، ومدحت السخرية التي يقدمها والأفكار الملهمة التي تميز أعماله

أشهر أقواله

 

“الصعوبة لاتكمن في معايشة الناس إنما في فهمهم”
“إن ما يتحتم علينا أن نفعله هو أن نحتمل لا أن نتنازل”
“يعاني الإنسان المعاصر من أمراض ثلاث : العزلة , الثورة التكنولوجية , وتمركز حياته حول الإنجاز الشخصي”
“ليس هناك أعمى أسوأ من أعمى يرى!”
“أنا لا أكتب لكي أهدئ من روع القارئ، ولا لكي أحارب الموت كما يزعم البعض (وهذا أسخف شيء سمعته في حياتي)، بل “أكتب لكي أوقظ، وأيضاً لكي أفهم”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى