اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

جسد الصحراء

عمر أبو القاسم الككلي

كل كائن يدخل الصحراء ويعيش فيها، ولو لفترة عابرة، لا بد أن يترك فيها أثرا.

بعض هذه الآثار قد تغيبه الصحراء تحت رمالها في غضون ساعات، وبعضها تستغرق عملية طمسه أياما، ويظل بعضها الآخر يصارع الامحاء دهورا مديدة، مثل القرى القديمة التي هجرها سكانها بعد أن صارت عاجزة عن مدهم بمتطلبات العيش. فتقشرت حوائط مبانيها وتفتتت بعض أجزائها، وزالت الأبواب التي كانت تصد الرياح عن مستكناتها الداخلية، و أخذت الرمال تزحف عليها حثيثا مهددة بطمرها. إلا أن أطلالها ستظل، ولأمد طويل، شاهدا قويا على أن الإنسان استقر وعاش هنا، وساهم في دعم الحياة في هذا الموضع، وفي تدهوره، أيضا. وقد يوجد شعراء يوقفون عليها سياراتهم ويبكونها.

***

تبدو الصحراء، للعين غير الخبيرة، امتدادا رمليا هائلا شديد التشابه. لكن الأدلاء المتمرسين يَخبِرون منافذها ومسالكها، ويميزون ملامح جسدها والعلامات المنتشرة عليه من شامات، أو ثآليل، محددين ما يفصل بينها من مسافات.

***

لا يمكن قطع المسافات في الصحراء بالسيارة على وتيرة واحدة. فأحيانا تنطلق السيارة على هوى سائقها. وتضطر إلى الإبطاء أحيانا، والتقدم بصعوبة في بعض الحالات، وبعنت ومشقة، كالجمال التي تنوء بأحمال ثقيلة، أحيانا أخرى.

كما يمكن للسيارات أن تعطش، أو تهن مفاصلها وتتعطل بعض أعضائها، أو تجنح إلى بقعة رمال ناعمة طيعة تظل تتحرك تحتها، فتعجز عجلاتها عن المضي قدما وتظل تدور في مكانها حافرة في النعومة. ويستغرق إخراجها من مثل هذا الفخ الذي تنصبه الصحراء وقتا وجهدا.

***

الماء والأشجار والظلال، من أندر الأشياء وأثمنها في الصحراء، كما هو معروف. إذ ترتبط الصحراء بالعطش والقيظ والتوهان.

طبعا، لا يمكن للإنسان أن يحمل معه الأشجار في رحلة صحراوية. لكن يمكنه أن يحمل الماء في حوافظ خاصة، وأيضا الظلال التي تشكلها المظلات والخيام تحت الشمس الصحراوية الحارقة..

***

بعض المواقع الرطبة في الصحراء يُستقبل فيه الإنسان بحفاوة بالغة من قبل الـ… ـبعوض، الذي تمر فترة طويلة قبل أن يفد عليه ضيوف يتوفرون على غزارة من الدماء الحارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى