مقالات مختارة

تونس: درء المفسدة قبل جلب المصلحة

أمين بن مسعود

قد يكون من الواجب سياسيا وإعلاميا التوقف مليا عند الحدث الأبرز الذي عاشت على وقعه تونس الليلة قبل الماضية والمتمثل في الجلسة البرلمانية لمنح الثقة لوزير الداخلية الجديد هشام الفوراتي.

ذلك أن ما حصل قبل الجلسة وأثناءها وبين قاعات المجلس النيابي، يعد أهم بكثير من التصويت بحدّ ذاته والذي انتهى كما هو معلوم بشبه إجماع بين كافة الكتل النيابية على تولي الفوراتي حقيبة الداخلية.

نذهب هذا المسار في التحليل والتفسير، لأنّ جزءا معتبرا من حزب نداء تونس وهو الشق المحسوب على مدير الهيئة التنفيذية للحزب، حافظ قائد السبسي رفع الفيتو لمناسبتين على الأقل ضدّ الاسم المقترح لقيادة وزارة الداخلية، الأكثر من ذلك أنّه تمثل الجلسة النيابية لمنح الثقة كاستحقاق سياسي لتصفية الحساب مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، والتعامل مع المسألة وفق معادلة الفوراتي واجهة والشاهد وجهة.

فعلى مدى أكثر من أسبوع، وحدّة الخطاب السياسي لأعضاء الهيئة الإدارية لنداء تونس في اطراد مستمر، موظفة محامل إعلامية تلفزيونية واسعة الانتشار والتأثير لوضع يوسف الشاهد بين الخيارين اللذين طرحهما رئيس الجمهورية عليه أثناء لقاء تلفزيوني في فضائية خاصة، وهما الاستقالة الطوعية أو تجديد الثقة من البرلمان.

وعلى عكس الحبيب الصيد الذي قبل بمصير القرابين الفرعونية على معابد الآلهة، رفض الشاهد تقديم الاستقالة وأبى عرض حكومته أمام مجلس النواب، واستعاض عن تجرّع كأس السمّ باختبار تمثيلي لشعبيته وشرعيته في البرلمان بطلب جلسة منح ثقة لهشام الفوراتي. فإن رُفض الاقتراح كان في الشكل رفضا لشخص معين في حقيبة محددة وفي العمق تململا حول سياساته، وإن تم القبول فسيكون نصرا في جولة من معركة كسر العظام بينه وبين شق حافظ الابن.

في الأخير كان ليوسف الشاهد ما أراد، تأجلت فرضية الاستقالة إلى حين تغيّر السياقات المحلية والإقليمية والدولية وعُلّق خيار تجديد منح الثقة للحكومة إلى حين تغيير موازين القوى بين الكتل البرلمانية وهو ما يصعب تحققه حاليا على الأقل.

وقبل الجلسة بسويعات قليلة، اختار شق حافظ قائد السبسي النزول من أعلى شجرة الفيتو السياسي ضد مقترح الشاهد، واجتبى دعم خيار ملء الشغور الحكومي في حقيبة حساسة وفي ظرف أمني وعسكري واستخباراتي حساس في المنطقة المغاربية وفي شمال أفريقيا برمتها.

وزن السبسي الابن، خياره وقراره وفق معادلة درء المفسدة أولى من جلب المصلحة، فلئن كانت المصلحة إسقاط الحكومة برمتها وتنحي يوسف الشاهد من رئاسة القصبة، فإنّ درء مفسدة الانشقاق البنيوي الذي بدأ في التغلغل في الحزب ومفسدة استيلاء النهضة على مقاليد الدولة تحت عنوان الانسحاب التدريجي لوزراء النداء بسبب سحب الدعم عنهم، ودفع ضرر تشظي الكتلة النيابية سيما عقب اجتماع المصالحة والمسامحة مع السبسي الأب، كلها أولويات وضعها السبسي الابن وهو يصيغ مكرها بلاغ منح الثقة لوزير الداخلية الجديد.

ولئن كان لكل قرار شروطه وأثمانه، فمن الواضح أنّ السبسي الابن لا يمتلك كافة شروط قرار إسقاط الحكومة أو تعطيل قرار تعيين وزير في حقيبة سيادية.

فلا النهضة قابلة باستبدال الشاهد قبل استحقاق انتخابي أساسي قد يمكنها من الحكم المركزي بعد المحلي، ولا المقرضين الإقليميين (البنك الإفريقي) والدوليين (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) سيرضون باهتزاز جديد في الحكم يضع فرضية استرداد قروضهم رهين الشك، ولا خصوم حافظ من رؤساء الشقوق الندائية سينضمون إلى مشاريع حكومية جديدة يقودها السبسي الابن فترسخ حكمه وتوطّن أحلامه في القصبة وقرطاج، فما لم ينله حافظ السبسي منهم وهم قرناء الهيئة التأسيسية والتنفيذية لن يناله منهم وهم أمناء عامون لأحزاب لها حضور معتبر في مجلس النواب.

نجح السبسي الابن في استحقاق المحافظة على وحدة الكتلة النيابية في قراراتها، وحافظ على الرمزية الاعتبارية للسبسي الأب بعد أن أوصى الأخير بالتمسك بوحدة النداء، وتمكّن من جمع الكتلة النيابية تحت مظلة الدعوة إلى تغيير الحكومة برمتها.

ننتظر من السبسي الابن التأكيد بأنّ الانسحاب التكتيكي كان من أجل مصلحة البلاد وليس من أجل تحصين الدفاع وتأمين الهجوم استعدادا لمكاسرة أخرى ضدّ حكومة الشاهد، تكون فيها الشخصنة هي العنوان وراهن النداء ورهان البلاد هي الميدان.

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى