اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

تهريب الضو.. من الفاعل؟

عبد الحفيظ العابد

اللغة ذات بعد قطيعي جماعي تنتجها الجماعة في حالتي الوعي واللاوعي؛ ذلك أنّ بنية اللاوعي كما يرى (جاك لاكان) هي بنية لغوية؛ أي أنّ المبعَد إلى اللاوعي يتمثّل في شكل كلمات، في ضوء هذا الفهم يمكن قراءة بعض المجازات التي أوجدتها الجماعة لتُشكّل نوعاً من مهادنة السلطة.

تبدو جملة (الضو هرب) اعتيادية في اللهجة الليبيّة، لا تخرج عن حدود المألوف والسائد، هذه الألفة الناتجة عن الاستعمال اليومي تحجب البعد المجازي والحضاري للتعبير، فجملتا (الضو هرب) و(الضو جي) تجعلان من الضوء عفريتاً عصيّاً على القبض يهرب ويحضر متى شاء، وتسكتان عن الفاعل الحقيقي المسؤول عن قطع الضوء، فشيْطنةُ الضوء الذي يُسند إليه فعْلا الهروب والمجيء يجنّب المجتمع المقموع عاقبة شيْطنة السلطة المسؤولة عن توفير الضوء للناس، من هنا يتضح لنا أنّ عبارات نحو (الضو هرب) و(المرتب نزل) ليست بالبساطة التي تبدو عليها؛ إذ إنها تكشف عن تغييب الفاعل الحقيقي المسؤول عن قطع الضوء وتأخير المرتبات، هذا التغييب القسري للفاعل المتمثّل في السلطة يكشف عن حالة القمع التي عاشتها الجماعة (المجتمع الليبي) طيلة العقود الماضية التي عرف من خلالها المجتمع الليبي الكهرباء، فالقمع أنتج هذه المجازات التي تُشكّل نوعاً من التوازن في علاقة الجماعة بالسلطة.

     تشتمل هذه المجازات على بعد حضاري أيضاً؛ ذلك أنّ الإنسان قبل معرفة الكهرباء كان يصنع ضوءه بيديه، يشعل السراج أو الفنار ليطرد العتمة، فالضوء كان خضوعاً لإرادة الإنسان نفسه لا لإرادة السلطة ممثّلة بمؤسسة الكهرباء، لذا لم يكن للضوء أن يهرب إلا بعد أنْ تولّت جهة ثانية مسؤوليّة جلبه وتوفيره.

    هكذا ينبغي عدم الاستهانة باللغة؛ لأنها سلطة تمارس دوراً مهماً في تغييب الحقائق أو كشفها، لذا فإنّ الخطوة الأولى في إعادة الضوء الهارب التعرّف على مهرّبه والتصريح به دون خوف. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى