اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

تسعُ سنوات من الربيع العربي

آلاء الفرجاني

قبل مُرور تسع سنوات تدافع الليبيون ليكتسحوا الشوارع والميادين، مُطالبين بإسقاط الغطريس الباغي، رافعين الحجارة والنار، يرددون بصوت واحد لم يتحدُوا بعده: “يسقط النظام”

تعالى الهُتاف وعلت كلمة الحق الصداحة أرجاء ليبيا، وانتفض الشعب، وبدا المشهد وكأنه ثورة، واتسعت رقعة المظاهرات واحتشد الملايين في مظاهرات سلمية، لكن هذه الملايين الغاضبة قوبلت برصاص حي، وقمعٍ، وسقوط قتلى.

انتفض الشعب على حكمٍ سادي دام اثنتين وأربعين سنة، مُطالبين بالحرية المنشودة، والديمقراطية الفضفاضة المنصفة، بربيع عربي مفعم بالخضار، بعمارٍ وبنايات، رافضين الاستغلال والكتاب الأخضر، معلنين اشمئزازهم من غوغاء خطاباته وكلماته الرثة، منتزعين عنهم عباءة التمجيد والتقديس، معلنين غايتهم نحو إنهاء نظام قمعي استبدادي.

مطالبين بكسر قوقعة الجماهيرية، واللحاق بالعالم!

ولكن الديمقراطية كانت باهظة الثمن .. لا بأس فعملية إسقاط دكتاتور متشبث بكرسي الحُكم والسلطة ضارباً عروقه في أرضها لأكثر من أربعة عقود، كان يتطلب الكثير وإن ثورة كهذه ستعيد للشعب حقوقه المسلوبة، كان لا بُد منها.

دارت الأرض دورتها وحال الزمان وتحقق حلم الثورة وأسقط الشعب القذافي وقتلوه، وعلت صرخة الله أكبر، وحرر الثوار ليبيا، وتذوق الليبيون آنذاك نشوة الحرية.

ليبيا تعيش عهداً جديداً إن الطُغاة يسقطون، أذكر أنني كنت في مرحلة الشطر الثاني من التعليم الأساسي في ذلك الوقت، عندما تصدر مشهد القذافي وجسده الأسطوري الملطخ بالدماء وهو يهتز على العربة، شاشات التلفاز في العالم أجمع، وكأنها ثورة العالم لا ثورة الليبيين.. هذا المشهد لم ولن يفارق ذهني البتة، خرجت مُسرعة للشارع لألقي نظرة عن الشارع المحرر، عن الليبيين الأحرار والألعاب النارية، على الزغاريد وأصوات الرصاص وتكبيرات “الله أكبر”، نظرت للسماء بدأت براقة وبيضاء ومضيئة لما حملته من شهداء طيلة فترة الثورة، تساءلت أحقا انتصرنا؟

الآن .. بعد تسع سنوات من الربيع العربي أنا أمقت هذا المسمى.

يبدو أننا لم نتحرر ولم ننتصر، إن ثورتنا لم تكتمل بإقامة الدولة المنشودة بل دخلت في دوامة الحرب الداخلية التي تغذيها أطراف خارجية لتجهض ثورتنا لقد تشرذمت الثورة، وصارت ضعيفة مستباحة.

مازلنا نتخبط، مازلنا نتصارع، انكمشت مطالبنا العظيمة بتشييد البنايات الشاهقة، إلى رصف طريق يمكننا العبور منها فقط، لاتزال أدمغتنا تستوعب الخطابات والكلمات المُسجلة وكأنها طوق نجاة، نتمسكُ بها كما يتمسك الآدمي بغريزة البقاء، وكأنها كلمة الله!

أبطلنا مفعول الكتاب الأخضر، وصرنا نبتكر طرقا أخرى لتغذية الأيدولوجيات وفق ما نريد، وصرنا نشاهد قنوات تلفزيونية تفقع عين من ليس معها!

وخلال التسعِ سنوات لُطخت أَباهيمنا بحبر الانتخاب مرة واحدة، لم يتغير مفهوم الحرية كثيراً مازال كل من يُعبّر عن رأيه يختطف، يقتل، وأحيانا أخرى نرى جثته ملقاة بلا رأس على قارعة إحدى الطرق، وكأنه التعبير عن رأيك قد يفقدك رأسك!

ومازال البعض يحتفظ بقطعة سلاح أثرية، يمكنه استخدامها في التجمعات الميدانية وإحداث الفوضى والعبث.

ثورتنا سُرقت ومطالبنا العظيمة بُدلت، ودماؤنا أريقت، أطفالنا شردوا، تعليمنا وضيع، الحالُ ثابت، والساسة يتبدلون، ما الأمر؟

إننا نحتاج لثورة في أدمغتنا، ثورة وعي، نحن بحاجة لأن نثور على أنفسنا، لأن نستفيق لأن نعيد لذاكرتنا لنذكرها أننا ثُرنا لنرفض الظلم الجائر لنرفض الاستعباد والعبودية، لأن نكسر أصفاد الطُغاة، ونعيش بسلام.. إذن أين السلام؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى