مقالات مختارة

ترامب.. التسويات في ليبيا

أمين بن مسعود

يحقّ لباريس أن تقلق حيال التقارب الإيطالي الأميركي الذي عبر عنه بكل وضوح المؤتمر الصحافي الذي جمع الاثنين رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض.

المؤتمر الصحافي الذي شغل اهتمام العواصم المتوسطية، خرج بمعادلات سياسية واضحة لعاصمتين باتتا تحت حكم الشعبويين والمتطرفين القوميين، وهي الحدود القوية للأمم القويّة، والهجرة مقولة انتخابية اصطفائية وليست إنسانية، والمقاربة الإيطالية هي الأقرب لمعالجة الأزمة الليبية.

يشترك كونتي مع ترامب في أكثر من تصوّر لملفات المنطقة، فكلاهما يعتبر أنّ الاتحاد الأوروبي تكتل إقليمي عاجز وعجوز، وكلاهما أيضا ينظر شزرا إلى الهجرة الشرعية وبكثير من العنصرية للهجرة غير الشرعية، وكلاهما قلق من الدور الفرنسي في ليبيا وفي منطقة الساحل الإفريقي بشكل أعم.

ولن نجانب الصواب إن قلنا بأنّ التباين الشديد مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يمثل الخيط الناظم لسياسة الرجلين في القضايا الإقليمية والدولية.

رفض ترامب الخطاب الفرنسي الحاد حيال انسحاب واشنطن من اتفاقية المناخ، فلأول مرة تقريبا تصف الدبلوماسية الفرنسية نظيرتها الأميركية بـ”الجانية في حق الكوكب”، كما لم يغفر ترامب لماكرون موقفه من إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ودعوة باريس لمؤتمر سلام جديد بمرجعية وسائطية مختلفة عن الوساطة الأميركية التي باتت مرفوضة من قبل الفلسطينيين.

فيما مثلت القيود الأميركية على السلع الأوروبية النقطة السوداء التي زادت من قتامة المشهد بين العاصمتين الكبريين.

وكل ما تقدم ليس سوى نتيجة لمقدّمة الصراع الأميركي الفرنسي على منطقة الساحل الأفريقي، وبالضبط في النيجر الغنية بالنفط واليورانيوم، فبعد أشهر من إعلان باريس تركيز قوات دائمة في المنطقة تحت عنوان عملية برخان، أكدت واشنطن وجودها العسكري الاستشاري واللوجستي والتدريبي في النيجر. وفي العمق صراع على نفط النيجر، إذ تنظر باريس له كحصة تاريخية وغنيمة حرب وجودها الاستعماري السابق وقوتها الناعمة المستمرة في الفضاء الفرانكفوني، فيما تقاربه واشنطن كسلة اقتصادية أساسية لسد عجزها في الوقود والمحروقات الذي يتجاوز العشرين بالمئة.

ولئن كانت العلاقات بين ترامب وماكرون شديدة التوتر، فهي بين الأخير وكونتي تقارب العداء والتناقض، فمحنة الهجرة غير الشرعية التي أهلكت الآلاف في أعماق المتوسط يبدو أنّها قادرة على وضع علاقات تاريخية بين دولتين جارتين على حافة الانهيار، لا سيما وأنّ جزءا كبيرا من أوار الأزمة قادم من ليبيا أرض المكاسرة بين العاصمتين، ولن تزيد التصريحات الآتية من واشنطن الأزمة الفرنسية الإيطالية إلا تعقيدا.

فأن يعلن ترامب أنّ واشنطن تؤيد بشكل تام المقاربة الإيطالية للحل في ليبيا، فهذا يحمل في طياته الكثير من الاستتباعات على الشأن الليبي والتي لا بد من النظر إليها بشكل معمّق. ذلك أن تأييد المقاربة الإيطالية يعني معارضة المشروع الفرنسي لتسوية الأزمة الليبية والذي تنص خارطة طريقه على انتخابات برلمانية ورئاسية نهاية العام، سيما وأنّ رئيس الوزراء الإيطالي أكد أنّ روما تستعد لتنظيم مؤتمر دولي حول ليبيا ينبني على تقديم المصالحة على الانتخابات.

الاصطفاف الأميركي وراء المقاربة الإيطالية، يرجح استنبات مسار جديد للتسوية في ليبيا، يتعارض مع المسارات الدولية الأخرى، ونعني بهما مساري باريس والصخيرات، الأمر الذي سيؤدي في الأخير إلى احتراب إقليمي على إنهاء الحرب وضياع مسارات السلام بين مشاريع التسويات.

والمباركة الأميركية للموقف الإيطالي، تعني في الصميم محاصرة وإفشال الجهود الدبلوماسية للوسيط الدولي -الفرنسي اللبناني- غسان سلامة في ليبيا، فبعد أن فرضت واشنطن سفيرتها ستيفان ويليامز كنائبة له ضمن البعثة الدولية، ها هي اليوم تسحب البساط منه بشكل شبه نهائيّ.

كما أنّ التنويه الأميركي بالرؤية الإيطالية، قد يعني وقوفا مع فريق من الليبيين سياسة وعسكرا، (المجلس الرئاسي وقواته) في مقابل فريق أو فرقاء آخرين.

كيف سيكون الرد الفرنسيّ، هل ستختار باريس الرد عبر دعم المسار الانتخابي الحالي ومسلكيّة الاستفتاء على الدستور أم أنها سترد جماعيا من خلال البوابة الأوروبية عبر تضييق الخيارات على روما؟ وما هو ردّ الليبيين على توزيع الأوراق من جديد وكيف سيتعامل الجوار الليبي مع مشاريع التسويات ومع الدور الأميركي في ليبيا؟

المصدر
alarab

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى