كتَـــــاب الموقع

تداعيات ورطة الحافلة

عمر أبو القاسم الككلي

الصباح التالي لليلة الخروج في مسيرة بـ”إرادتي غير الحرّة”، وموقفي في الحافلة الذي وقفته بـ “إرادتي الحرة”، ذهبت إلى الجامعة. جامعة قار يونس، آنذاك، حيث كنت طالبا في كلية الآداب، قسم الفلسفة.

في فترة من ذلك النهار، كنت أسير أنا وصديق داخل الجامعة، وكنت أنقل إليه وقائع ورطتي في المسيرة والحافلة. حيّاني شاب لا أعرفه كان يسير بمواجهتنا. رددت التحية. بعد أن تجاوزنا بقليل سمعته يقول:

– وين حجرتك؟!.
يقصد حجرتي بالقسم الداخلي. فعدت إليه:

– نعم؟!.

– وين حجرتك؟!.

قلت له بلطف شديد:

– لا أعتقد أننا التقينا من قبل!.

– شفتك البارح في الحافلة!.

رددت عليه بهدوء، وبابتسامة مكابرة:

– وشن يعني هذا؟!.

قال:

– نبي نزورك زيارة ودّية!.

ثم:

– عندك مانع نزورك زيارة ودية؟!.

أجبته:

– أبدا!. والله ما عندي مانع تزورني زيارة ودية!.

ودللته على مكان حجرتي!. فقال:

– نزورك بعد الغدا!.

*

طبعا اضطربت. توقعت أن تبدأ سلسلة مضايقات ممنهجة، لن أكون قادرا على تحملها طويلا. أتوقع أن يأتيني، بين يوم وآخر، شخص أو شخصان ويتم طلب التعرّف عليَّ وزيارتي بحجّة مشاهدتي في الحافلة!. وقد يأتي شخص يقول لي: حكى لي أحدهم عن قصتك في الحافلة وأرغب في التعرف إليك!.

*

استأذنت من صديقي وقلت له أني أريد أن أعود الآن إلى بيت الطلبة لأستعد للتعامل مع المستجدات. وجدت صديقا يدرس بقسم اللغة الإنجليزية يسكن في بيت الطلبة  نفسه ولديه سيارة، طلبت منه إعادتي إلى البيت سريعا. فاستجاب لطلبي.

في البيت أعطيته بعض الكتب. قلت له إنّها كتب عادية لا خوف عليه منها إذا وجدها أحد عنده. لكن العثور عليها عندي يُثير تأويلات، لأنهم في اللجان الثورية يستهدفونني وسيختلقون الدواعي لمضايقتي. لم أستبقِ سوى كتب المنهج. كما أبلغت زميلي نور الدين النمر بالأمر أن يكون موجودا معي، إذا ما تمت زيارتي من قبل شخص أو أشخاص من اللجان الثورية. فوافق.

*

لكن لم تحدث أية زيارة “ودية” من هذا النوع.

*

في يوم آخر كنت في أحد شوارع وسط مدينة بنغازي. لاحظت شخصا في سيارة واقفة بحذاء رصيف الشارع، يحاول لفت انتباهي بإشعال وإطفاء ضوء سيارته. حين ذهبت إليه فوجئت أنه نفس الشخص الذي أنزلني من الحافلة!.

قال لي أنه ليلتها فعل ما فعل من أجل إنقاذي!. كان يريد الابتعاد بي عن الحافلة في الظلام ثم يتركني أذهب في حال سبيلي!. قال، لكن صاحبك تدخل.. المهم أنه حقق ما كنت أهدف إليه، وأنقذك. وقال لي أنه يبدو أن ورائي قصة، وأنني لم آتِ إلى المسيرة برغبتي. ونصحني أن أحافظ على نفسي، لأن هؤلاء وحوش وكان يمكن أن “يمزقوك طرف طرف” وأن أحترس، بالذات من بعض ممن يدعون صداقتي. قال إنّه طالب بكلية الاقتصاد وإنّ بعضا ممن كانوا في الحافلة ظنّوا أنه رجل أمن فجاؤوا وطلبوا منه التصرف معي، وفعل ما فعل إشفاقا علي.

*

بعدها بمدة، التقينا في الجامعة وقال لي إنّه ذاهب للدراسة في الخارج في مجال متعلق بالشرطة!.

* انظر:

كسر الإرادة وكسر العظم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى