أخبار ليبيااقتصاداهم الاخبار

تحقيق صادم: هكذا تُغسَل أموال ليبيا بتونس

تخلل سنوات الفوضى في ليبيا أبشع ممارسات السرقة والنهب المُمنهج وغسيل الأموال عبر شركات عابرة للحدود إلى دول “غضت الطرف” عن مخالفات ضخمة ترقى لتكون “جريمة اقتصادية” بحق بلد لا ذنب له سوى أن ساسته لم يكونوا عند حسن ظن الليبيين.

في تحقيق مدوٍ أصدرته مجلة “انكيفادا” التونسية، تم الكشف عن طرق خبيثة تم بموجبها نقل الأموال الآتية من ليبيا وغسلها وتحريكها في السوق السوداء وإعادة تهريبها بحيل معقدة، لكن الصدمة الأكبر التي كشفها التحقيق، هو أن كل هذه التجاوزات كانت بعلم البنك المركزي التونسي الذي منح الغطاء القانوني لهذه العمليات.

وبعد أن اطلعت “218” على كامل التحقيق الذي جاء تحت عنوان “تونس “مغسلة” الأموال الليبية”، أعدت ملخصا “صادما” عنه والذي يبين حجم التلاعب في اقتصاد ليبيا على مدار السنوات الماضية.

“نجمة الشمال”

البنك المركزي التونسي

من أبرز عمليات النهب التي تمت كانت عبر شركة اسمها “نجمة الشمال”، وهي ليست الوحيدة، وبالرغم من تحذيرات أصدرتها مديرة ادارة عمليات التجارة الخارجية بالبنك المركزي التونسي سلوى لاغة إلى محافظ البنك بتاريخ 13 يوليو 2017، إلا أن محافظ البنك السابق الشاذلي العياري، أبدى إصرارا شديدا على منح الموافقة للشركة لتمارس عملها.

ولم تتوقف الشركة التي شكلت بأموال ليبية وتعمل على تصدير البضائع إلى ليبيا، عن ممارسة عملها إلا بعد فتح تحقيق من الجهات القضائية والاقتصادية.

تونس تتفرج على “مغسلة الأموال الليبية”

يؤكد التقرير أن النداءات الليبية المتتالية بشأن الشركات التي تهرب العملة الأجنبية وتستنزف الاحتياطي وتتلاعب بأسعار الصرف في السوق الموازية، قوبلت من الجانب التونسي بـ”التفرج” على عمليات غسل الأموال الليبية، ولم يكن هم السلكات خلال الفترة الانتقالية سوى تعزيز الصادرات للدول المجاورة.

اعتمادات مستندية مفتعلة

شكلت الاعتمادات المستندية باباً واسعا لتهريب الأموال الليبية إلى تونس، مستغلة حاجة الناس للمواد والسلع والأدوية وغيرها من المستلزمات الضرورية، وتم من خلالها تبييض الأموال وجعلها تبدو قانونية، بحسب دراسة أجرتها اللجنة التونسية للتحاليل المالية صدرت سنة 2016.

وتعد تونس منطقة مفضلة لتحويل الأموال الليبية بالنظر إلى ارتفاع قيمة الدينار التونسي مقابل الدينار الليبي، وتراجع قيمة الدينار التونسي أمام الدولار الأميركي، ومع مرور الوقت واتساع دائرة الفوضى في ليبيا، باتت تونس شبه غارقة في الأموال الليبية التي جاءت عبر اعتمادات مستندية للتغطية على عمليات شراء وهمية هدفها تبييض الأموال.

بنك اليوباف

بنك اليوباف الدولي

دراسة اللجنة التونسية للتحاليل المالية أماطت اللثام أيضا عن أدوات أخرى لتهريب الأموال الليبية إلى تونس عبر الاعتمادات المستندية، وأبرزها مصرف شمال افريقيا الدولي، وبنك اليوباف الدولي بتونس، والبنك التونسي الليبي.

وتؤكد الدراسة أن كثيرا من هذه الاعتمادات كانت بهدف المضاربة في سوق الصرف الموازي لتحقيق أرباح كبيرة وتهريبها خارج ليبيا. ولا تتوقف الحكاية عند هنا

ويشير التحقيق إلى أن شركة بنك اليوباف الممولة بالكامل من ليبيا، ومقرها في تونس، عملت على تمرير الأموال من ليبيا إلى تونس بطريقة قال عنها ديوان المحاسبة الليبي بتقريره في 2015، إنها عمليات تهريب عملة إلى تونس.

الزيت والسكر والأرز الفاسد

الزيت والسكر والأرز

أورد التحقيق العديد من أمثلة التلاعب في الاعتمادات، منها قضية الزيت والسكر والأرز الفاسد، إذ قامت شركة حدائق طرابلس بطلب فتح 3 اعتمادات لجلب هذه المواد من تونس في 2014، ليتبين أن هذه الاعتمادات لم تعرض على لجنة الموافقة بمصرف الجمهورية، والأدهى من ذلك أن المواد لم تدخل ليبيا بدليل أن الشركة لم تستلم المستندات الأصلية لاعتمادين وهو شرط لتستلم الشركة البضاعة وتنقلها إلى ليبيا.

وفعلا تبين لاحقا، وفق التحقيق أن الشركة لم تستكمل الإجراءات بعد أن تمكنت من تحويل العملة الأجنبية للخارج مرورا بتونس. وبشأن بالاعتماد الثالث المتعلق بالأرز فقد توصلت التحقيقات إلى أن الكميات نقلت في 110 حاويات، 87 منها كانت تنقل أرزا فاسدا، وهو دليل آخر على أن الشركتين “المصدرة والمستورد” لم تكونان تسعيان لإتمام تجارة حقيقية.

وفيما يتعلق بالاعتماد الثالث المرتبط بصفقة الأرز فقد بينت التحقيقات أن 78 حاوية من أصل 110 كانت تحتوي على أرز فاسد وغير صالح للاستهلاك ما يؤكد أن البضاعة لم تكن محور اهتمام الشركتين المصدرة والمستوردة بقدر ما كان الهدف من العملية التجارية تهريب العملة الصعبة من ليبيا.

ويشير التحقيق إلى أن الطرف الآخر في تونس “الشركة المصدرة” في هذه القضية، هي شركة تابعة لشركة ABLY TRADING SERVICES SARL، مقرها في ساحل العاج.

لربما لن تكون الفكرة العاملة لهذا التحقيق أمرا جديدا على الجهات الرقابية في ليبيا، إلا أن تفاصيل التفاصيل والوثائق ستكون صادمة لها، لكنها ليست أدوات تنفيذية لديها القدرة على ضبط الحدود وإغلاق صناديق الأموال في البنك المركزي، بينما تقع المسؤولية على الجهات التنفيذية والقضائية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى