اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

بين طرابلس وفزان (2)

سالم الهمالي

الشيخ جبريل محمد الظريف

ذكرت في الإدراج السابق أنني وجدت الشيخ في المسجد جالسًا على كرسي يقرأ القرآن، وينتظر إقامة صلاة الظهر، تعمدت أن أبقى في الصفوف الخلفية حتى لا أزعجه في هذه اللحظات الثمينة بعد الآذان وقبل الصلاة، وما أن انتهى أحد المصلين من كلمات الإقامة؛ حتى انبرى الشيخ “جبريل” بصوته الجهوري المتميز بالتنويه على الدقة في نطق كلمات الإقامة، مؤكدًا السكون في (أنْ) لا إله … و (أنَّ) محمد …

أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ

أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ

سبحان الله، حرصٌ شديدٌ على أداء شعائر الصلاة على أحسن وجه كما وردت في السنّة الصحيحة. هذا الأسلوب الحسن في تنبيه الناس على نهج القرآن والسيرة النبوية:

“ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ”.

انتبهت الى حرص الأبناء ومنهم “جدود” على رعاية والدهم، ومن علامات البر به سخَّروا حتى الأحفاد للقيام بكل ما يحتاج إليه، ليتعلموا منه الصغيرة والكبيرة. في جلستنا؛ ذكر أصول استقبال الضيف:

البداية بالسلام عليه والترحيب به، ثم إبلاغه عن مكان الحمام (لعله يريد أن يقضي حاجته)، ثم الإشارة إلى اتجاه القبلة (ليقضي ما عليه من صلاة)، ثم إحضار الماء والتمر (أي الطعام والزاد)، ولا ننسى الاعتناء بالبهيمة (حمار أو جمل أو سيارة بما يحتاج إليه من طعام أو بنزين ومكان للراحة، حتى جراج يحميها من السراق).

زرع هذه المفاهيم في النشء يُمثّل أركان وأساسات التربية، التي تكرّم الضيف وتعمل على رعايته.

مجلس الشيخ “جبريل” لا يخلو من الطرفة والدعابة، فالتقطت له صورة وهو يناول أحد أحفاده “صريرة” مع طلب ما يحتاج تأديته. لم يذكر أحدٌ من الناس بسوء، لا غيبة ولا نميمة، متصالح مع نفسه والنَّاس، مواقف تلو مواقف من حياته وتجاربه فيها دروس وعبر، يرويها بوجه عليه هيبة وشفاه تعلوها بسمة، حتى ختم جلستنا بدعاء وابتهال إلى الله سبحانه بأن يجمع الليبيين على الخير ويحفظ البلاد والعباد من كل شر، ودّعته وأنا أشد شوقًا لزيارة أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى