كتَـــــاب الموقع

بوتفليقة… الأعجوبة الثامنة!

رفعت المحمد

ابتكار لا سابق له لكرسي الحكم الذي طالما تمسّك به الحكام الدكتاتوريون، وهذه المرة يأخذ شكل كرسي المعاقين، و يُسجَّلُ الابتكار باسم بوتفليقة رافعا شعار “إعاقتي لا تمنع رئاستي”.

بعد قرابة عشرين عاماً من حكم الجزائر، وهو رقم قياسي في تاريخ البلاد، لا يجد حزب جبهة التحرير الجزائرية بين كوادره من هو أهل للترشح لمنصب الرئاسة غير بوتفليقة صاحب الواحد والثمانين عاما، الذي ما انفكت الأمراض تنهش جسده، حتى أصابته جلطة دماغية قبل ثلاث سنوات منعته من إلقاء أي خطاب، وأقعدته على كرسي بعجلات، وجعلت وضعه الصحي مثار تكهنات عدّة.

أمين عام الجبهة “جمال ولد عباس” قال في إعلان ترشيح الحزب لبوتفليقة لانتخابات أبريل 2019، إنه ليس لدى الحزب مرشح آخر للرئاسة غيره، وإن هذا الترشيح: “هو مطلب جميع كوادر ومناضلي جبهة التحرير الوطني عبر الوطن”.

اللافت هذه المرّة؛ عدم إثارة هذا الترشح أيَّ معارضة، مُعلَنةٍ على الأقل أو مُنظّمةٍ أو حزبيّةٍ، بشأن هذا الترشح، خلافا لما كان الوضع عليه في الترشح لولاية رابعة في انتخابات 2014، حين أعلن أمين عام جبهة التحرير آنذاك عمار سعيداني ترشيح بوتفليقة للانتخابات، ما أثار  موجة احتجاجات كبيرة، امتصّتها القيادات السياسية والعسكرية مع الوقت، ويبدو أنها لن تقوم لها قائمة. فالترشح هذه المرّة مدعوم بحلفاء أقوياء، أبرزهم “التجمّع الوطني الديمقراطي” بقيادة رئيس الوزراء أحمد أويحيى، و”تجمع أمل الجزائر” بقيادة عمار غول الذي  يرى في بوتفليقة “الضامن” لوحدة الشعب الجزائري، والحفاظ على مكتسبات الأمن، وسبق أن أعلن تأييده لترشيح بوتفليقة خلال الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لتأسيس حزبه قبل شهر تقريبا. وبدوره أعلن حمد بن حمو رئيس “حزب الكرامة الجزائري” تأييد حزبه لترشيح بوتفليقة.

ينضمّ للمؤيدين أيضا منتدى أرباب العمل الجزائريين برئاسة علي حداد، وقد استبق إعلان ترشح بوتفليقة بمطالبته بذلك في بيان أصدره قبل نحو شهر، وعزا فيه مطالبه إلى “المكاسب الكبيرة” التي حققتها الجزائر في عهد بوتفليقة ودوره في إرساء الأمن ومواجهة المؤامرات الخارجية، وذهب المنتدى أبعد من ذلك بإعلان استعداده لتوفير الدعم المادي لعملية الترشح.

في المقابل، لا يبدو  معارضو ترشيح بوتفليقة كُثر، وهم غير منضوين تحت حزب أو تجمع له حضور بارز، ويكاد يكون البيان الذي أصدرته 14 شخصية سياسية ومدنية وأكاديمية في الجزائر في مايو  2018، وطالبت فيه بوتفليقة بعدم الترشح، الصوت المعارض الأبرز حتى الآن، وكأن بقية المعارضة قد استسلمت للأمر.

دستوريا؛ سبق وأن أجرى بوتفليقة في نوفمبر عام 2008 تعديلا دستوريّا على المادة التي كان سابقه “الأمين زروال” قد وضعها عام 1996، وتمنع الترشح  لأكثر من ولايتين تكريسا للتداول على السلطة، وعاد وثبّت هذا التعديل في المادة 74 من دستور 2016 في الجزائر، بأن حددّ مدة الرئاسة بخمس سنوات، دون تقييد عدد مرّات الترشح. غير أن معارضين يرون في المادة 88 من الدستور حجّة قوية لرفض ترشح بوتفليقة، وتنص على أنّه: “إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع”؛  ولأن “الشيطان يكمن في التفاصيل”، لم يجد الجزائريون من يثبت المرض على رجل يحرص من حوله، قبله هو، على بقائه في رأس هرم السلطة.

بوتفليقة الذي فاز عام 2014 بنسبة 81.5% من الأصوات، لن يجد صعوبة في الفوز بولاية جديدة، ومن الجولة الأولى،  فالعسكر حاضر من وراء حجاب، والأجهزة الأمنية ستستدعي الشعب لتجديد البيعة، والإعاقة لن تمنع الرئاسة، والموت هو  التحدّي الوحيد أمام “الأبد” الذي يطمع فيه حكامنا.

في ترشّحه للرئاسة، يدخل “بوتفليقة”  في صراع على من سيكون الأعجوبة الثامنة، في منافسة محمومة مع الرئيس الكاميروني “بول بيا” ذي الـ85 سنة، والذي أعلن ترشّحه لولاية جديدة بعد 36 سنة من الحكم، رغم كل الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها، وقضايا الفساد والاحتيال التي وصمته بالعار، فلمن الغلبة بلقب الأعجوبة، لأنّ الفوز بالانتخابات أمر  مضمون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى