اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

بغداد وطرابلس.. بعد جغرافي وتجربة مماثلة (4)

حيدر حسين علي

من ركام بغداد ودروسها وعبرها عسى أن تنهض طرابلس وتتعض، نعم فما تمر به ليبيا من سيناريو مشابه للسيناريو الذي مر ولا زال يمر به العراق فالليبيون في نفق مظلم مجاور لنفق نظرائهم العراقيين رغم بعد المسافة الجغرافية بين البلدين إذ لم يكن كلا السيناروهين متطابقين بالمرة.

ونستمر في هذه الحلقات البسيطة غير الغزيرة بالإحصائيات أو التواريخ المعقدة على القارئ والمعتمدة على الذاكرة، ونقارن بين الحالتين ونقترح الحلول التي كان يجب أن تقدم للحيلولة دون تفاقم الأوضاع.

الحلقة الرابعة

ليبيا والعراق لا مدارس لا تعليم

على الجانب الخدماتي تعد خدمة التعليم بشقيه الأوّلي والعالي من أبرز الخدمات التي تُقدّمها الحكومات لشعوبها لإخراج أجيال قوية محصنة بالعلم والمعرفة؛ لتنهض بكافة القطاعات في البلاد، فضلا عن الدور الكبير الذي تلعبه المدارس في تربية الجيل لينتقل بعدها إلى الجامعة التي تعد مركزا متكاملا للبحث والتطوير والتعليم في آن واحد.

ولكن الحال في ليبيا ومن قبلها العراق مختلف، ففي كلا البلدين يتم تقديم خدمة التعليم الأوّلي والعالي بأردأ أشكالهما فالعراق يعاني منذ التغيير عام 2003 من فساد إداري ومالي انعكس على كل مناحي الحياة والخدمات ومنها التعليم إذ لم يتم تحقيق أي تقدم يذكر في مجال بناء المدارس الجديدة أو استحداث الجامعات والكليات والمعاهد إلا ما ندر، أو ما يمكن أن يقال عنه بشكل خجول لا يتناسب مع الحاجة الفعلية، وذات الحال ينطبق على ليبيا التي تعاني هي الأخرى من ذات ما تم ذكره.

ولسنا هنا بصدد تقديم شرح عن رداءة التعليم الأساسي والعالي في كلا البلدين بل لنقدم حلولا لهذا الواقع المزري عسى أن تأتي الأيام بحكام مخلصين لليبيا والعراق يعملون بهذه الحلول التي تقسم إلى 3 أنواع: آنية ومتوسطة وبعيدة المدى.

وأول الحلول تشكيل المجلس الأعلى للتربية والتعليم في كلا البلدين ومن مهامه وضع الخطط الآنية التي يتم تنفيذها خلال ساعات قليلة وليس أيام، بعد منح رئيس وأعضاء المجلس صلاحيات واسعة في الإنفاق السريع، ومن ثم تقديم الحسابات الختامية لاحقا.

أما الخطط المتوسطة المدى فيتم تنفيذها على مدى عام واحد على أقصى تقدير، والطويلة المدى على مدى 5 أعوام، وذات الحال ينطبق على كلا النوعين من الخطط والصلاحيات الواسعة للإنفاق السريع المفتوح.

ولتجاوز حالات الفساد الإداري والمالي في هذا المجلس يجب أن يكون رئيسه وأعضاؤه من كبار العلماء والأكاديميين في مجالات التربية والتعليم والتخطيط والإحصاء وعلم النفس والنمو والاجتماع والإنشاءات وبحوث العمليات، ويتم انتقاؤهم من الكفاءات العراقية والليبية في دول المهجر أو من الداخل الليبي والعراقي عن طريق رئيس الوزراء المطالب بالتواصل مع الجهات الرقابية داخليا وخارجيا؛ للتيقن من نزاهة وكفاءة الرئيس والأعضاء شريطة أن يعمل وزير المالية بصفة مراقب في المجلس لتسهيل عمليات الصرف المالي.

ولعل السائل يتساءل هل من الممكن الخروج بمجلس أعلى للتربية والتعليم نزيه 100%؟ فأقول إن لم يكن كذلك وتواجد فيه من يريد أن يمتهن الفساد فإن أعضاء المجلس سيتم تغييرهم دوريا كل عام بعد إنهاء الخطط الآنية والمتوسطة، ليأتي آخرون وهكذا لضمان استمرار عجلة التقدم في عمل المجلس وبالمحصلة فإن الأمر برمته هو مقترح وتجربة لتحريك المياه الراكدة وإيجاد الحلول للتردي في واقع التربية والتعليم.

وبالعودة إلى مهام المجلس وخططه الآنية التي تشمل معالجة ظاهرة الاكتضاض في الصفوف وقلة الأبنية المدرسية وقدمها من خلال الإيعاز بتوفير صفوف مدرسية كرفانية في مواقع بديلة عن المدارس القديمة القابلة للهدم أو التوسعة والإيعاز باستئجار المنازل الكبيرة التي تستخدم كمدارس أهلية وتحويلها إلى مدارس بديلة والعمل على شطر المدارس التي فيها أعداد كبيرة من الطلبة وإعادة تسوية الملاكات التعليمية ليتسنى توفير الملاك التربوي بحيث يكون عدد الطلبة في الصف الواحد 15 طالبا.

وهذا كله يمكن إنجازه في فترة لا تتجاوز الـ72 ساعة فيما لو توفرت الإرادة وعمل المجلس والجهات الساندة له ساعات إضافية لتحقيق الهدف.

وفي إطار الخطط المتوسطة المدى يتم التعاقد مع الجهات الحكومية المعنية بالإنشاءات وتعشيق عملها مع القطاع الخاص لبناء معامل سريعة للبناء الجاهز؛ للبدء ببناء مدارس جديدة بصفوف كثيرة على أن يكون عدد التلاميذ في الصف الواحد 15 طالبا كحد أقصى مع توفير كافة الدعم اللوجستي اللازم لتأثيث المدارس بالمقاعد الدراسية والكهربائيات ومنظومات التدفئة والتبريد والحمامات الصحية والمختبرات وصالات للألعاب الرياضية.

وسيتم على مدى عام واحد إن توفرت الإرادة والصرف السريع توفير عدد كبير من المدارس وحل الإشكالية ليأتي الدور على الخطط طويلة الأمد لـ5 أعوام.

ويتم على مدى الأعوام الـ5 لهذه الخطة الاتفاق على عدة نقاط أبرزها إعادة التأهيل النفسي للطالب والمعلم والمدرس ومدير المدرسة وكافة الموظفين العاملين في المؤسسة التعليمية؛ لأن الجميع يعلم أن حالاتهم النفسية باتت في الحضيض ولا يملكون الدافع للإبداع وذلك من خلال عدة مسارات.

ويكون المسار الأول من خلال رفع عدد ساعات الدوام المدرسي لتكون 7 ساعات عوضا عن 4 ساعات تتضمن توفير وجبات طعام صحية ولائقة للفطور والغداء ورفع معدل رواتب المعلمين والإدارة بشكل يتناسب مع هذه الزيادة في ساعات العمل وبالشكل الذي يضمن عدم لجوء المعلم والمدرس للدروس الخصوصية، وجعل رواتبهم على شكل رواتب أساسية مجزية وساعات إضافية وبدلات مالية تتناسب مع واقع السوق وليس مع واقع ميزانية الدولة التي تدفع لكل شيء إلا التربية والتعليم فتبخل عليهما.

ويتم منح المعلمين والمدرسين والعاملين في المؤسسة التعليمية والتربوية بدلات ملابس شتوية وصيفية وبدلات إيجار المنازل وبدلات غلاء المعيشة وبدلات العلاج أو التأمين الصحي وبدلات العمل الإضافي للساعات الـ3 الإضافية وبدلات بطاقات شحن الهاتف الخلوي وبدلات وقود التدفئة وغاز الطهي وغيرها من البدلات الأخرى اللازمة.

ويتم فتح صفوف لتقوية الطلبة الضعاف دراسيا في المساء وليكن الأمر في الساعة الـ5 مساء وحتى الـ8 على أن تؤمن الدولة التخصيصات المالية المجزية للمعلم والمدرس وعدم تقاضي أي مبالغ من الطلبة.

ويتم توفير باصات لنقل الطلبة مجانا من منازلهم إلى المدارس وبالعكس وذات الحال ينطبق على المعلمين والمدرسين مع ضرورة العمل على بناء مجمعات سكنية للمعلمين والمدرسين على مدى السنوات الـ5 الممثلة للخطة الخمسية الطويلة الأمد التي يضعها المجلس الأعلى للتربية والتعليم إلى جانب استكمال بناء المدارس الجديدة وتوسعتها.

وفضلا عن كل ما ذكر يتم تفعيل برامج الرحلات الترفيهية المدرسية خلال العام الدراسي وجعلها في أيام العطل الأسبوعية وعطلات نصف السنة الدراسية ونهايتها، وإرسال المدرسين والمعلمين في دورات تدريبة تطويرية في الدول المتقدمة مع برامج ترفيه وسياحة في هذه الدول للترويح عن أنفسهم وجعلهم يتمسكون بمهامهم ويؤدونها على أكمل وجه بمنتهى النشاط والحماسة.

ويتم تأطير كل ما ذكر أعلاه في قانون يسمى قانون الخدمة التربوية على غرار قانون الخدمية الجامعية الذي نهض بالواقع المادي نوعا ما لحملة الشهادات العليا في الجامعات والمؤسسات التعليمية بعد أن ضاعف رواتبهم ووفر لهم ميزات عدة، على أن يتم نقل تجربة قانون الخدمة الجامعية العراقي إلى ليبيا لتوفير نوع من الأمان الوظيفي للأكاديميين هناك.

وفي الختام يتم منح طلبة المدارس والمعاهد والجامعات والدراسات العليا مخصصات مالية شهرية وامتيازات مالية وإعانات بطالة بعد تخرجهم إلى حين حصولهم على الوظائف التي تليق بمستواهم العلمي.

ويتم خلال كل عام تقييم الزيادات السكانية والحاجة إلى التوسع في التعليم الأولي والعالي أفقيا وعموديا من خلال استحداث الجامعات والكليات مع ضمان تخريج كوادر فنية وأكاديمية بما يتلاءم مع حاجة السوق، وإنشاء مراكز متخصصة  لاستيعاب مخرجات سنوات اللا تخطيط وتدريبهم وزجهم في مجالات العمل في القطاعات العام والخاص والمختلط.

وتبقى هذه الأفكار والحلول والمعالجات تعتمد بشكل كبير على التوافق السياسي في كلٍّ من ليبيا والعراق  لتجد طريقها نحو التنفيذ.

وفي الحلقة القادمة سيتم التطرق إلى خدمات البنى التحتية المنهارة في العراق وليبيا وسبل النهوض بواقعها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى