أخبار ليبيااهم الاخبار

بعد فتح بنغازي.. ما الذي سيفعله “رجل ليبيا القوي”؟

ترجمة خاصة لـ(218) من صحيفة “إيكونوميست”

كثيرا ما نظر إلى خليفة حفتر، المصلحي والعنيد، على أنه معرقل للجهود التي تستهدف إنهاء النزاع في ليبيا. والقوات التي تحت إمرته، باسمها المنتحل، الجيش الوطني، فاقمت في غالب الأحيان الفوضى القائمة، ولم تساعد على حلها. مع ذلك استقبل المشير حفتر كرجل دولة من قبل الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون في باريس 25 أغسطس. وهناك تواجه مع فايز السراج، المنافس الذي يقود حكومة في العاصمة طرابلس مدعومة من قبل الأمم المتحدة. مقابلتهما الأولى، قبل ثلاثة أشهر، لم ينتج عنها شيء. لذا فإن إعلان القائدين عن وقف إطلاق النار ونيتهما عقد انتخابات في 2018 مثل نوعا من الصدمة.

“لقد أحرزت قضية السلام تقدما عظيما.”. أعلن ماكرون. في الواقع لم تكن الصفقة سوى خطوة صغيرة. ذلك أن الأمر محتاج إلى مزيد من الاتفاقات قبل التمكن من إجراء الانتخابات، حيث من المرجح استمرار القتال الذي تنخرط فيه الآن جماعات كثيرة العدد. وفي واقع الحال فإن الجيش الوطني الذي يدعم حكومة منفصلة في الشرق نادرا ما خاض معارك مع قوات تصطف مع السراج. إلا أن المشير حفتر يتمتع بحرية لَكْمِ الإرهابيين، الذين يعتبرهم على رأس قائمة معارضيه. وبما أن المليشيات القوية في البلاد اُستبعدت من محادثات باريس التي تم ترأسها من قبل مبعوث هيئة الأمم المتحدة الجديد في ليبيا، غسان سلامة، فإن هذه الصفقة، شأنها في ذلك شأن الصفقات السابقة التي تمت بوساطة الأمم المتحدة، تفتقر، على الأقل حتى الآن، إلى تأييد واسع.

ناتج محادثات باريس، الإقرار بأن الصفقة السابقة، التي نصبت السيد السراج كرئيس للوزراء في 2015، لم توحد البلاد كما كان مستهدفا منها. أيضا إضفاء الشرعية على المشير حفتر الذي شدد قبضته على الشرق واستخدم ما كسبه من الأرض لتقوية مكانته. .. تمكنت قواته من احتلال السدرة وراس لانوف، المينائين النفطيين الهامين، في سبتمبر، وتمكن مؤخرا من السيطرة على مواقع حول الجفرة وسبها. وفي 6 يوليو، بعد سنوات من القتال والوعود الزائفة، أعلن المشير حفتر أنه حرر بنغازي، المدينة الليبية الثانية، من مليشيات متمردة وإسلامية متنوعة، على الرغم من بقاء جيوب مقاومة.

مع سيطرة الاهتمام بمسألة المهاجرين والإرهاب المتدفقين من ليبيا على الاهتمام الأوروبي، يرى بعض الرسميين الأوربيين الآن في المشير حفتر حليفا. فلقد اُحتضن من قبل الروس كما يبدو أنه من طراز الرجال الذين يفضلهم ترامب. ولكن مع تزايد الدول التي توليه اهتماما، فإنها تتخوف من تقوية من سيكون الرجل القوى الذي تصدى للمعارضة في المناطق الواقعة تحت سيطرته. كما أنه تم اتهام قواته بالقيام بانتهاكات من مثل قتل الأسرى. وعلى الرغم من أن صفقة باريس تدعو إلى وضع جميع المجموعات المسلحة تحت قيادة واحدة، فإنه من المستبعد أن يسمح المشير حفتر لأي شخص غيره بقيادة جيش وطني حقيقي. ويتوقع عديد المحللين أنه سيرشح نفسه للرئاسة إذا ما أجريت انتخابات.

كلما تعاظمت قوة المشير حفتر ضعفت قوة السراج. فقد بعث، مع أعضاء آخرين من مجلسه الرئاسي، أملا كبيرا حين وصولهم طرابلس 2016، إلا أن ثلاثة من الأعضاء التسعة الأصليين إما استقالوا أو قاطعوا هذا الجسم. بقية الأعضاء يتشاجرون أكثر مما يحكمون. بعضهم يمتعض من السيد السراج بسبب تعاظم دوره في التفاوض مع القوى الأجنبية. “بعض الأعضاء يعتقدون أنه ليس الشخص المناسب للقيادة، فهو لا يمتلك المعرفة الكافية، ولا الكارزما ولا القدرة على اتخاذ القرار.”. تقول كلاوديا غازيني من جماعة الأزمة العالمية، التي هي مؤسسة بحثية مقرها بروكسل. “هذا الرأي يتشارك فيه الكثيرون في معسكر طرابلس”.

إذا ما قيض لاتفاق باريس أن يؤدي إلى مزيد من التقدم الجوهري، فإن السيد السراج الذي يأتمر على قوات مقاتلة لا تتبعه، سوف يحتاج إلى إقناع المليشيات المختلفة المصطفة إلى جانب حكومته بإلقاء سلاحها. العلاقات توترت. فأولئك الذين يقاتلون تنظيم داعش يشتكون من نقص الدعم من قبل الإدارة، حتى بعد أن طردوا الجهاديين من معقلهم القوي في سرت السنة الماضية. (الآن يهيئون أنفسهم للتصدي لهجوم مضاد). الحكومة التي سبقت مؤسسة السراج ما زالت تلقى تأييدا من بعض المليشيات بمصراتة وطرابلس، وما زالت مستمرة في إثارة المتاعب، حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة المجلس الرئاسي.

السيد السراج فشل أيضا في كسب الجمهور. فعلى الرغم من أن حكومته لها سنة في طرابلس، مازالت لا تقدم سوى القليل من الخدمات العامة، حتى في العاصمة. ومحدودية سلطتها يوضحها واقع ازدهار تهريب البشر في غرب ليبيا، وهو ما يزعج الأوربيين. الاقتصاد انكمش خلال السنوات الأربع الأخيرة، مع ارتفاع الأسعار وتهاوي الدينار، الأمر الذي فاقم البؤس. على الناس الوقوف لمدة ساعات في طوابير للحصول على النقود من المصارف، والقيود المفروضة على السحب تجعل من الصعب الحصول على ما يكفي. المعاناة تسهم في الإحساس بأن الأمور أفضل في الشرق، حيث المشير حفتر يوفر، على الأقل، الأمن.

يستطيع المشير حفتر الادعاء أيضا أنه أسهم في زيادة صادرات النفط الليبي، بما أنه أمن مينائي السدرة وراس لانوف، حيث ارتفع الإنتاج إلى ثلاثة أضعاف تقريبا ليتعدى مليون برميل يوميا. إلا أن معظم الصيت في هذا يعود إلى مصطفى صنع الله مدير المؤسسة الوطنية للنفط. “إنه يعرف كيف يجلب الاستثمارات والخبراء، على الرغم من التعقيدات الموجودة.”. يقول جيسون باك من رابطة الأعمال الليبية الأمريكية. ومع ذلك، على الإنتاج النفطي بلوغ المستويات التي كان عليها قبل الثورة في 2011،حيث بتدنيه الآن ترك المصرف المركزي، الذي يستعمل عائدات النفط لتمويل شطري البلاد، يعاني شحا في السيولة.

ترى إيطاليا، بحكم مصالحها النفطية وتاريخها الاستعماري في ليبيا، أن هذا البلد يقع ضمن مسؤوليتها الدبلوماسية، خصوصا بعد تناقص المصالح الأمريكية مع مجيء ترامب. لذا أدى المجهود الفرنسي إلى نشوء بعض المخاوف في روما. وعلى الرغم من أن ماكرون يبدو واثقا، إلا أنه قد يكون مقللا من شأن وعورة الطريق الذي أمامه. الاتفاق الذي تم التوصل إليه في باريس يقول أن الحل السياسي وحده هو ما من شأنه أن ينهي القتال. ولكن السراج قد لا يكون من القوة بمكان لتطبيق هذا الأمر، وقلة من المراقبين يرون أن المشير حفتر نجح في ميدان المعركة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى