مقالات مختارة

بداية ماراثون ليبي جديد

د. جبريل العبيدي

هل ليبيا في حاجة إلى الليوجيركا (اجتماع قبائل موسع ووجهاء ورجال دين وسياسة وأساتذة جامعات ومفكرين أشبه باجتماع مصالحة عام) بالنسخة المعدلة التي سمتها الأمم المتحدة «مؤتمراً وطنياً» يضم أكثر من 800 شخصية وطنية، عبر مقترح غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة، الذي – إن لاقى استحساناً من بعض الأطراف غير الممثلة من الماضي، الذين سمتهم خطة سلامة «المهمشين والمنبوذين» من التمثيل السابق – فإنه لم يقدم إيضاحاً عن ماهية تشكيل هذا الجنين المقبل، في ظل وجود برلمان ومجلس دولة ومجلس رئاسي تتناطح كرؤوس ثلاثة لدولة واحدة يضاف إليها رأس رابع، وقد يكون معرقلاً جديداً يضاف إلى سابقيه، وقد يتسبب في حالة نكوص وردة إلى الماضي المتناطح، الذي لا يزال مستمراً في ظل غياب أي رغبة حقيقية قد تثمر حلاً ممكناً للتطبيق، ويساعد في الخروج من مأزق الفراغ التشريعي والدستوري والخروج بالبلاد من أزمة التناطح بعد إغراقه في مستنقع الخلافات، مبتعداً عن هم الوطن والمواطن متخبطاً في صراعات آخر همها الوطن.

قد تكون فكرة انتخابات جديدة بإشراف دولي مباشر، مخرجاً يكنس القمامة السياسية المتراكمة أمامه من الأجسام الملوثة للمشهد السياسي، التي أبت الخروج من المشهد، واستمرت في العبث وتوطين الفوضى برعاية إقليمية ودولية من دول عابثة مثل قطر، وأخرى تختبئ خلف مصالح شركات متعددة النشاط.

الأمم المتحدة ومبعوثها سلامة جمعا أطرافاً من البرلمان مع أطراف أخرى من مجلس الدولة في العاصمة تونس لتعديل اتفاق الصخيرات المغربية، رغم أن الطرف الأول، أي البرلمان، جزء من لجنة الحوار، بينما مجلس الدولة هو مخرج من مخرجات اتفاق الصخيرات كما هو حال المجلس الرئاسي، ما يعنى أن الأمم المتحدة جمعت طرفاً من الفرقاء مع طرف آخر هو نتيجة اتفاق، ما قد يتسبب في حرج للأمم المتحدة بخلطها هذا.

غسان سلامة دعا إلى مؤتمر وطني كبير موسع يضم جميع الذين همشوا ولم يمثلوا في الأجسام السابقة، وفق ما صرح به هو نفسه، وكأن الأمم المتحدة تبحث عن ليوجيركا ليبية لحلحلة الأزمة الليبية عبر فتح اتفاقية الصخيرات للتعديل بعد فشلها في حل الأزمة بسبب افتقادها أبسط قواعد الاتفاق أو حتى التوافق لضمان حالة من الاستمرارية لها، رغم تكرار محاولات الإنعاش التي قامت بها الدول الكبرى راعية الاتفاق.

البعثة الدولية وعبر مبعوثها سلامة قدمت حزمة من النقاط قد تصلح مشروع خريطة طريق ربما تساعد الأطراف المتجادلة في تونس لتعديل بنود الاتفاق التي أوصلت البلاد والعباد إلى حالة انسداد سياسي، تسبب في تراكم الهموم والأزمات على المواطن قبل السياسي، الذي قد يجد في التنطط من فندق لآخر ومن بلد لآخر ومن طائرة لأخرى، متعة تجوال وسفر وإهدار وقت وأموال جميعها تدفعها خزينة المواطن.

الأجسام السياسية في ليبيا (المؤتمر الوطني أو مجلس الدولة والبرلمان ولجنة الدستور والحكومات الثلاث) جميعها أصبح منتهي الولاية حتى التي بعثت من الرميم كالمؤتمر الوطني، ولكنها تجدد البقاء عبر التمديد لولاية جديدة هي ولاية غير شرعية، فالتمديد من دون استفتاء شعبي عام، هو خطيئة كبرى، في حين وضع البعض الناس أمام فكرة خاطئة؛ «نحن» أو الفوضى، كأن البلاد ليست في حالة فوضى مزمنة منذ سنوات سبع عجاف كان يغاث الناس فيهن.

فرقاء الأطراف المجتمعة في العاصمة تونس ركبوا طائرة واحدة وغادرت بهم من طرابلس، لتجتمع في تونس في غرف منفصلة عن بعضها، ورغم اتفاق الأطراف على تعديل بعض بنود الاتفاق، فإن العودة لطرابلس وطبرق ستكون بداية ماراثون ليبي جديد نأمل ألا يطول.

…………………

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى