أخبار ليبيااهم الاخبارمقالات مختارة

“انتشار السلاح.. وسؤال حضور الدولة في ليبيا”

بكر الحاسي

متخصص في العلوم السياسية والتواصل السياسي

***

يعتبر انتشار السلاح أحد أهم المعضلات التي تواجه الجهود الداخلية والخارجية الهادفة إلى إعادة الاستقرار والبناء في ليبيا، بل يعد هذا الموضوع من المواضيع المهمة التي تثار بشكل يومي ومتكرر في الملتقيات الإعلامية والسياسية، والعلمية والجمعوية، وحتى في المواقع الافتراضية، بطرق وصيغ متعددة، تتلاقى في حين وتختلف في حين أخر، لكن كلها تصب في اتجاه محاولة إيجاد إجابة عن سؤال رئيسي وجوهري، هو:

 

ــ كيف يمكن جمع السلاح في ظل وجود الدولة بليبيا ؟

 

وللإجابة عن السؤال أعلاه، لابد أن ننطلق من الفرضية القائلة، إن جمع السلاح في ليبيا رهين بوجود الدولة. وذلك باعتبار أن أزمة الدولة حاليا، هى المرض الأصل، وهى الإشكال الحقيقي، وهى السبب في انتشار ظاهرة امتلاك السلاح.

 

فعند تحليل مضامين السؤال، سنجده وبشكل عفوي ومنطقي يحيلنا مباشرة على المستقبل، لأنه ببساطة لا توجد دولة -من الناحية العملية- في ليبيا، أو هذا ما يبينه الواقع على الأقل.  فالدولة من الناحية السوسيولوجية هى: عبارة عن تجمع بشري (شعب)، في حيّز جغرافي (إقليم)،  تحكمهم هيئة حاكمة ذات سيادة  (داخلية وخارجية)، وأخيرا لابد لها من الاعتراف الدولي. وليبيا لا تتوفر من هذا التعريف إلا على ثلاث مكونات فقط، الشعب، والإقليم، والاعتراف الدولي، بينما يظل مكون السيادة غير حاضر ، بل ومغيب عن المشهد ككل.

ويرجع ذلك لعدم وجود سلطة واحدة تقوم باحتكار القوة، ومشروعية الضغط المادي[ 1 ] التي تمكنها من بسط السيطرة وتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد؛ حيث تتعدد الحكومات والأطراف والشخصيات في عملية صنع واتخاذ القرارات، الأمر الذي يعكس الفلسفة التي تنطلق من كون السياسة في جوهرها، هى فن توزيع القوة بين الأطراف[2]، لا امتلاك كل الأطراف للقوة. الشئ الذي ينعكس حتى على سلوكاتهم التي تظهر إما في شكل تعارضات أو تحالفات، وبالنتيجة فإن اختلاف المصالح، والتوفر على موارد مختلفة للسلطة، يفسح المجال لإمكانية حدوث نزاعات…[3] والوضع في ليبيا يبين لنا أن هناك عدة قوى سياسية ومسلحة متباينة، غير متفاوتة في القوة، تمتلك للموارد و القدرة نفسها على التأثير في مواقع محددة سياسيا طبقاً للتوزيع الجغرافي والمناطقي لهذه القوى، التي تتمتع بدعم مباشر، وغير مباشر أحياناً من دول تتدخل في الشأن الداخلي لليبيا بتواطؤ من تلك القوى الليبية، بحيث تقوم بمد الأخيرة بالسلاح والمال،والأكثر من ذلك وصلت حد التعامل معها كجسم شرعي في الدولة، الأمر الذي يعد انتهاكاً تاماً للمواثيق الدولية، والقانون الدولي الذي أكد في مبادئ عديدة، أهمها، تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أي يلزم احترام سيادة كل دولة. فبعد  2011 دخلت ليبيا  في دوامة التدخل والتجاذب الدولي، الذي يدعم أطرافا ضد الأخرى لتوليد الصراع، من اجل تمرير سياسات و تحقيق مكاسب جيوإستراتيجية وسياسية و اقتصادية ،وهكذا.  الأمر الذي انعكس سلباً، على، الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في ليبيا ، حيث يعد الصراع الضاري بين الفرقاء السياسيين حول الحكم والسلطة، وسيلة وفرصة للعديد من الجماعات المسلحة التي يمكن اعتبار أنها “ميليشيات” لا تنضوي تحت مظلة القوات المسلحة ( الجيش الوطني الليبي)، أو الشرطة أو غيرها من المؤسسات الشرعية التي وجب احتكراها للقوة والسلاح، وإنما هي جماعات تحكمها توجهات دولية، و فكرية، وحتى اقتصادية من خلال كسب الأموال الطائلة من التهريب والمتاجرة بالأطنان من الأسلحة الليبية، وغير الليبية التي تأتي من الخارج رغما عن القرار ألأممي رقم 1970 لسنة 2011، والذي أكد على” منع بيع أو توريد الأسلحة وما يتصل بها من أعتدة إلى ليبيا”، مما دفع الممثل ألأممي في ليبيا غسان سلامة من خلال كلمة ألقاها في الاجتماع التحضيري للقمة العربية التي عقدت في العام الماضي بالرياض، أن يعرب عن مخاوفه من بعد أن تم رصد باخرتين محملتان بالأسلحة إلى ليبيا.  وبالتالي فإن مسألة انتشار السلاح تشكل بؤرة قلق، ليس لليبيا والليبيين فقط بل لكل الدول. فهل من الممكن جمع كل الأسلحة في ليبيا؟

إن القول بجمع أكثر من 13 مليون قطعة سلاح  في ليبيا أمر صعب -حتى بوجود الدولة- لاعتبارات سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية، ولهذا يجب أن ننتقل من فكرة جمع السلاح إلى فكرة التحكم في ذلك السلاح “gun control” .

صعب جمعها لكن ليس مستحيل التحكم فيها، حيث يجب أن تتبع الدولة سياسات مُعينة ومُحكمة تصب في اتجاه هذه الفكرة، ابتدءا من سن تشريعات وإصدار قرارات تعقلن امتلاك السلاح ، وذلك بالترخيص له- بشروط يحددها القانون- كأول خطوة، من أجل معرفة مكان تواجد كل قطعة، وصولا إلى مرحلة إلغاء ذلك القرار أو القانون، بعد بسط هيبة الدولة وتملك هذه الأخيرة لكل أدوات القوة، وبالتالي تتم عملية جمع السلاح بعد التحكم فيه بقوة الأمن وهيبة القانون؛ إلا أن مسألة حضور الدولة في ليبيا تجعلنا نتأنى قليلا في التفكير و إعطاء الاقتراحات؛ لأن السياسة دائما ما تجبرنا على التعامل مع ما هو كائن لا مع ما ينبغي أن يكون، فهى فن الممكن [4]، والممكن حاليا في ليبيا هو انتظار ما ستؤول إليه الأمور، من اجل  إجراء الانتخابات العامة (التشريعية والرئاسية)، لكي يتم منح الشعب سلطة اختيار ممثليه أولاً ، وثانيا، من اجل ضخ دماء جديدة وقوية في مراكز صنع القرار، وثالثا والاهم إنهاء التصدع وتوحيد المؤسسات. حيث لا يمكن التفكير فأي مبادرة تهدف إلى تحقيق البناء والرخاء في ظل الانقسام المؤسساتي والتشظي المجتمعي الحاصل في ليبيا.

 

وختاماً، يجب الاعتراف  أن الحديث عن ما يجب إن يكون أمر سهل للغاية، أما التنفيذ فهو إشكال سياسي محفوف بالمخاطر، حيث يجب أن تتكاثف العديد من العوامل في سبيل تحقيق ما يرنوا إليه الليبيون، ولعل أهم هذه العوامل، هو عامل الإرادة، وهنا نقصد الإرادة السياسية والشعبية. فالإرادة هي التي تنقصنا فعلا ، وواقع الحال يستدعي منا التذكير بها دائما. حيث لا  الفاعلون السياسيون لديهم الإرادة التي تدفع في اتجاه حل المليشيات، والبدء في البناء،  والتأسيس للدولة الديمقراطية المدنية التي تقوم على أساس سلطة القانون والمساواة والحرية، ولا الشعب أيضا لديهم الإرادة القوية التي تدفع في اتجاه الضغط على الساسة وحثهم على صنع و تنفيذ ما قد يساعد على البناء وتحقيق الأمن والرخاء.  و من وجهة نظري فإن الإرادة الشعبية هى الأهم، ويجب أن تكون حاضرة وبقوة، “فالدولة العظمى يبنيها العظماء” كما قال احد الحكماء ذات يوم.

***

لائحة المراجع:

[ 1]- محمد زين الدين ـ القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ـ ـمطبعة النجاح الجديدة (CTP)  ـ الدار البيضاء ـ  الطبعة الثالثة 2016 ـ ص65.

[2 ]-جاسم السلطان ـ قواعد في الممارسة السياسية ـ دار أم القرى للترجمة والتوزيع ـ الطبعة الأولى  2008 ـ ص35.

[3]- سعيد خمري ـ قضايا علم السياسة..مقاربات نظرية ـ مطبعة دار المناهل ـ الرباط ـ الطبعة الأولى 2019 ـ ص105

[4] جاسم السلطان ـ مرجع سابق ص35.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى