مقالات مختارة

انتخابات ليبيا

د. شملان يوسف العيسى

نشر موقع هيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C) تقريراً تحت عنوان «هل من الممكن إجراء انتخابات في ليبيا؟» يوم 28 فبراير المنصرم، وذكر الموقع أنه رغم انعدام الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات في ليبيا، فإن المجتمع الدولي مُصر على المضي قدماً فيها. وستشمل الانتخابات التي ينوي المجتمع الدولي إجراءها هناك؛ انتخابات رئاسية وأخرى تشريعية خلال العام الجاري (2018).

ويعود التبرير الدولي لإجراء الانتخابات إلى وجود 2.3 مليون ليبي ممن يحق لهم التصويت. لكن السؤال هو: لماذا إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في بلد تنخره الحرب الأهلية منذ سقوط القذافي قبل 6 سنوات؟ وهل الشعب الليبي مؤهل لممارسة العملية الانتخابية بحرية؟ وهل لدى هذا الشعب وقياداته السياسية المتنافسة الاستعداد لتقبل نتائج الاقتراع، خصوصاً وأنه لا توجد دولة موحدة ولا قانون انتخابي محل إجماع من كل الأطراف، وأنه تاريخياً لم يمارس الشعب الليبي الديمقراطية ولا يعرفها؟
في العهد الملكي (حكم إدريس السنوسي) لم توجد انتخابات حرة، كما لم توجد في عهد الديكتاتور معمر القذافي الذي استمر حكمه لأكثر من ثلاثين عاماً، وقد حكم ليبيا بقبضة حديدية استبدادية وفردية واستعان بالميليشيات الشعبية التي أسماها «اللجان الثورية» حسب الكتاب الأخضر الذي ألفه وكانت اللجان الشعبية تخضع لأوامر القذافي بشكل مستمر.

الأمر المؤكد بالنسبة لنا هو أن الديمقراطية ليست انتخابات فقط، وأن نجاح الانتخابات الديمقراطية له أساسيات غير متوفرة في ليبيا. فنجاح الديمقراطية في أي بلد من العالم يتطلب استقراراً سياسياً ووجود حكومة قوية يحكمها القانون الذي يشترط وجود نظام ديمقراطي تعددي يقبل الآخر المخالف للرأي. ولكي نضمن نجاح الديمقراطية نحتاج إلى مجتمع مدني متحضر يرفض الانتماء القبلي والطائفي والمناطقي والديني، والأهم من كل ذلك توافق وطني بين الشعب والقيادات السياسية حول القضايا الوطنية التي ترفع من شأن الوطن وتضعه على طريق التنمية والازدهار.

يخطئ من يظن أن الانتخابات أو صندوق الاقتراع سيوحد الشعب الليبي حول القيادة المنتخبة، لأن القيادات السياسية الموجودة والمتنافسة في ليبيا حتى الآن غير متفقة على برنامج موحد لإنقاذ البلاد. فرئيس الوزراء الحالي فايز السراج ينافس القائد العسكري خليفة حفتر الذي يتحكم بمنطقة شرق ليبيا، كما أن نجل الزعيم الليبي الراحل سيف الإسلام القذافي يهيئ نفسه للقفز على السلطة، إلى جانب وجود جماعات وميليشيات إسلامية متطرفة تتحكم بأجزاء من ليبيا.

ويبقى السؤال في النهاية: ما هي الخيارات المفتوحة أمام المجتمع الدولي؟

الشعب الليبي وقياداته السياسية مختلفون وغير متفقين على رؤية مشتركة لبلدهم، فهم يرفضون المصالحة الوطنية وأهمية الجلوس على طاولة واحدة وحل الخلافات فيما بينهم سلمياً. كل ما يريده القادة الليبيون هو القفز على السلطة، وكل واحد منهم مدعوم من جهة خارجية، والضحية في النهاية هو الشعب الليبي المنكوب.

ويمكن القول إنه لا سلام في ليبيا ما دامت القيادات السياسية المتصارعة فيها كل طموحاتها الوصول للسلطة والتفرد بها، وهذا يؤكد مجدداً أن الديمقراطية في بلداننا العربية لا تصلح في بيئة مجتمعية لا تؤمن بها أصلا.

المصدر
الاتحاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى