اخترنا لككتَـــــاب الموقع

الورفلي ، يداوي أم يجرح ؟

طه البوسيفي

يطل الورفلي برأسه من جديد عبر مقطع فيديو لإعدامات يقوم بها في الساحات وفي الهواء الطلق وأمام أعين الجميع، هذه المرة يقوم النقيب الورفلي بجلب عشرة أشخاصٍ يرتدون بدلًا زرقاء تشبه تلك التي يرتديها عمال البناء والمقاولات، تقوم مجموعته بصفهم واحدًا تلو الآخر أمام مسجد بيعة الرضوان في منطقة السلماني الذي شهد قبل أقل من أربعٍ وعشرين ساعةً من لحظة الإعدام تفجيرين إرهابيين راح ضحيتهما العشرات من القتلى والمئات من الجرحى .

نعود للورفلي وإلى عملية الإعدام التي نخصص هذه المقالة المتواضعة الكلمات والمحتوى لها، فهو قد أقدم على هذه الفعلةِ انتقامًا لمنفذي العملية الإرهابية التي أدانتها جميع الحكومات والمؤسسات بمن فيهم البعثة الأممية، هذا الاستنكار عزز كثيرًا موقف الجيش الوطني ورفع من حجة مؤيديه في حربه ضد الإرهاب وأضفى عليها صبغة المثالية والتصرف الضروري والأنسب لحماية الوطن من الخطر المحدق به وتفشي سلوك التطرف الممزوج بوحشية الجريمة .

إعدام الورفلي للعشرة أمام بيعة الرضوان يجعلني من باب الأمانة أطرح تساؤلاتٍ لا أنجرف بها إلى وادي التعاطف مع المقتولين ولا أتجنى أو أقسو بها على الورفلي. الأسئلة هي: لماذا قام الورفلي بعملية الإعدام أمام المسجد الذي كان مسرح العملية؟ وما علاقة من أعدمهم الورفلي بالتفجير؟ وهل هو بذلك يوصل رسالةً للرأي العام بأن العملية تحمل بصمات داعش وأخواتها؟ وما الذي يمنع من أن تكون العملية خلطًا للأوراق طالما أن الدلائل لم تشر بعد إلى هوية الفاعل الذي هو بكل تأكيد إرهابي ومجرم وقتال وسفاك وسفاح؟

وسط كل هذه التساؤلات جاء الورفلي ليمسح كل شيء فهو بهذه الفعلة أشاح النظر عن واقعة السلماني المؤلمة الكارثية ووجهها باتجاه سلوكياته غير المنضبطة فأدى هذا العمل إلى تجدد مطالبات الجنايات الدولية بالقبض عليه وتسليمه للمحكمة كونه باختصار شديد مجرم حرب .

مجرم حرب، قد لا تحدث هذه الجملة أثرًا في صدر الورفلي كونه قد خرج للموت ويعلم أن عداد عمره كان مفترضًا أنه توقف وأن ما يعيشه هو فائضٌ وخارجٌ عن الحاجة، لكنه بعلم أو بجهل، بمكر أو بإخلاص قد ضر بالمؤسسة العسكرية أكثر مما نفعها، فهؤلاء الذين يقوم بتصفيتهم جهارًا نهارًا في الساحات، مرة بالفتوى الدينية ومرة بعنفوان المنتقم هم أساسًا قابعون في سجون الجيش وسيحاكمون عاجلًا أم آجلًا، فالحريُّ هنا بالورفلي ومن يبارك هذه الأفعال أن يسخر طاقته وأن يشرف على عملية محاكمتهم ويا حيّهلا لو كانت محاكمتهم علنيةً ومنقولة عبر الهواء مباشرة في وسائل الإعلام كي ترى حينها البعثة الأممية التي طالبت بتسليمه للجنايات الدولية وكي ترى أيضًا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا أن هؤلاء هم من بدؤوا بتوجيه بنادقهم إلى صدور ضباط الجيش والشرطة والنشطاء والإعلاميين، وأن قتال الورفلي وأفراد الجيش لهم ما هو إلا ردة فعلٍ استوجبتها المسؤولية العسكرية والأخلاقية والوطنية ذودًا عن الوطن وحماية لترابه وأهله المستضعفين وانتشالهم من طموحِ أفغنة ليبيا وكأنه البوابة الوحيدة إلى جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر .

الآن وبعد أن حدث ما حدث صار موقف قيادة الجيش ضعيفًا جدًا ومحرجًا جدًا وذلك بعد أن خرجت هي نفسها المدة الماضية معلنةً عن توقيف الورفلي وإحالته للتحقيق الذي لم نسمع عن موعد بدءه وانتهائه وما الذي احتواه من تفاصيل . هيَ الآن (وأعني القيادة) مطالبةٌ أكثر من أي وقتٍ آخر بضبط المسألة وإنهاء هذا المسلسل الذي صار ركيكًا، فالقتل خارج سلطة القانون وبعيدًا عن دوائر المحاكمات هو ضربٌ معلنٌ وصريح لنصوص القانون وتمردٌ كالشمس في رابعة النهار على مشروع الدولة المدنية، دولة القانون .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى