مقالات مختارة

النفط الليبي في قلب الصراع

قرار القيادة العامة للجيش الليبي بتسليم الحقول والموانئ النفطية إلى المؤسسة الوطنية للنفط، كشف عمق الخلاف بين شرق البلاد المتحرر من الإسلام السياسي وغربها الذي لا يزال رازحا لحكم الميليشيات.

الحبيب الأسود

جاء قرار القيادة العامة للجيش الليبي بتسليم الحقول والموانئ النفطية إلى المؤسسة الوطنية للنفط التابعة للحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب ليكشف عمق الخلاف بين شرق البلاد المتحرر من قوى الإسلام السياسي وغربها الذي لا يزال رازحا في جانب كبير منه لحكم الميليشيات، وليعيد إلى الأذهان جملة من الحقائق على رأسها أن حكومة الوفاق التابعة للمجلس الرئاسي التي تحظى بشرعية دولية، لا تزال غير معتمدة من قبل البرلمان المنتخب الذي يتخذ من مدينة طبرق مقرا له، رغم أن اتفاق الصخيرات الذي انبثقت عنه في ديسمبر 2015، أوصى بعرضها على مجلس النواب لنيل ثقته، وبالفعل تم في ثلاث مناسبات عرض تشكيلات وزارية عليه دون أن يتم اعتمادها.ولأنه يعتبرها غير شرعية، فإن مجلس النواب لا يزال يحافظ في شخص رئيسه عقيلة صالح على القيادة العليا للقوات المسلحة، بينما يحمل رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج الصفة ذاتها، ولكن في سياق مرتبط بالميليشيات المسيطرة على الشمال الغربي للبلاد والتي يعتبرها البرلمان خارجة عن القانون غير خاضعة للتراتبية العسكرية.

ولا تعترف القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة في المنطقة الشرقية والوسطى وبعض مناطق الغرب بغير صالح قائدا أعلى، بينما يحظى السراج باعتراف قادة عسكريين وميليشيات في طرابلس ومصراتة والزاوية وعدد من المناطق الأخرى وأغلبها في الساحل الغربي للبلاد.

ومن هنا يأتي الخلاف الجوهري، حيث أن قيادة الجيش تعتبر أنها مستهدفة من قبل ميليشيات مسلحة تحصل على غطائها المالي من مداخيل النفط عبر المجلس الرئاسي والمؤسسات التابعة له، ومنها المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس والتي يديرها مصطفى صنع الله منذ عام 2014 دون تفويض من مجلس النواب، والمصرف المركزي الذي يديره الصدّيق الكبير منذ أكتوبر 2011، ورغم أن مجلس النواب اختار بديلا عنه في ديسمبر 2017 وهو محمد شكري، إلا أن الكبير الذي يحظى بدعم خارجي رفض الانصياع للقرار البرلماني.

ومن مؤاخذات الجيش الوطني الليبي على المجلس الرئاسي أنه يضم في عضويته ممثلا عن الجماعة الإسلامية المقاتلة المصنفة منظمة إرهابية وهو محمد العماري زايد، وممثلا عن جماعة الإخوان وهو عبدالسلام كاجمان، كما لا يزال يعترف بالإرهابي الصادق الغرياني مفتيا للبلاد، رغم أن هؤلاء وغيرهم كانوا داعمين للجماعات الإرهابية التي دخلت القوات المسلحة في حرب ضدها في المنطقة الشرقية، ومنها مجلس شورى مجاهدي بنغازي، ثم سرايا الدفاع عن بنغازي ومجلس شورى مجاهدي درنة وغيرها.

يضاف إلى ذلك أن وزير الدفاع في حكومة الوفاق غير المعتمدة من قبل مجلس النواب، مهدي البرغثي، كان من قادة عملية الكرامة عند انطلاقها في مايو 2014 ببنغازي، قبل أن يتمرد عليها، ويتهمه الجيش بدعم الميليشيات الإرهابية والتخطيط للهجوم على الهلال النفطي في مارس 2017، ثم باستهداف قاعدة عسكرية للجيش الوطني بمنطقة براك الشاطئ جنوب البلاد في مايو 2017، من قبل جماعات إرهابية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 140 عسكريا من المجندين الجدد، وتم بعدها تجميد عضوية البرغثي بالحكومة ولكن دون عزله أو استبداله بوزير جديد، ورغم أن المجلس الرئاسي أجرى تحقيقا في القضية، إلا أنه لم يعلن عن نتائجه، غير أن الوزير المجمد أكد في يناير 2018، أن الميليشيات التي هاجمت القاعدة كانت تحت إمرة المجلس الرئاسي وليس تحت إمرته كوزير للدفاع.

وفي 14 يونيو 2018، وبينما كان الجيش الوطني يقود معركة تحرير درنة من الإرهاب، نفذت ميليشيات مسلحة قادمة من مناطق تحت سيطرة المجلس الرئاسي، هجوما على الهلال النفطي، واحتلت ميناءيْ راس لانوف والسدرة، وكان لافتا أن الميليشيات اعتمدت في هجومها على أسلحة وناقلات جديدة ومتطورة، وعلى المئات من المرتزقة، إلى جانب مسلحين من جماعات يصنفها البرلمان على أنها إرهابية، في حين يضعها الرئاسي في خانة الثوار، وهو ما جعل المشير خليفة حفتر يرى أن الجيش يحمي ثروة الليبيين ليحترق لاحقا بنارها، مشيرا إلى مقتل 184 عسكريا وإصابة المئات خلال ثلاث عمليات لتحرير الهلال النفطي في سبتمبر 2016 ومارس 2017 ويونيو 2018، وقال حفتر “إن الشعب يرفض أن تتحول ثرواته إلى مصادر لتمويل التنظيمات والعصابات الإرهابية والمرتزقة لشراء السلاح والذمم أو لتحقيق المصالح الدولية على حساب مصالح الشعب وتضحيات الجيش وتتحول إلى خزائن مفتوحة للسرقة والنهب وترف الفاسدين ليحيا شعبنا حياة العوز والفقر”.

ومن خلال قراءة عاجلة لردود الفعل، يمكن الوقوف عند الدعم الذي وجده قرار قيادة الجيش من قبل القبائل والفعاليات الاجتماعية وقوى المجتمع المدني والتيارات السياسية الليبرالية، وبعض القوى المرتبطة بالنظام السابق، والتي وصل بعضها إلى الدعوة إلى ترك النفط تحت الأرض في حالة عدم ترويجه عن طريق مؤسسة النفط ببنغازي، حتى لا يستفيد منه الإسلام السياسي وميليشياته الناشطة في طرابلس ومصراتة والزاوية وبعض المناطق الأخرى، ولا تتحول الأموال الناتجة عنه إلى سلاح في أيدي لوبيات الفساد والمتاجرة بقوت الشعب.

وفي هذه المواقف تأكيد على ثقة أغلب الليبيين في المؤسسة العسكرية التابعة لمجلس النواب المنتخب، بينما يجد المجلس الرئاسي في طرابلس نفسه في حرج بالغ، ترجمه انسحاب رئيسه فايز السراج من قمة الإتحاد الأفريقي بنواكشوط بعد أن رفض الزعماء الأفارقة تضمين بيانهم الختامي ما كان يطالب به من استنكار لقرار المشير حفتر بتسليم الحقول والمرافئ النفطية في خليج سرت إلى مؤسسة النفط التابعة للحكومة المؤقتة. ثم أكده موقف المؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس عندما أعلنت الاثنين اعتماد القوة القاهرة، بما يعني تعليقها رسميا تنفيذ عقودها النفطية مع الأطراف الخارجية.

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى