اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

المهم الطاغية مات

خالد الهوني

رأي
(حول ندوة قناة 218 الاخبارية في ذكرى فبراير)
في الذكرى الثامنة لانطلاقة أحداث فبراير، قدمت قناة 218 الاخبارية، ندوة حوارية شارك فيها مجموعة من الشخصيات الليبية ذات الرأي، تناولت شهادة بعضهم عن الحدث وتقييمه لمجرياته من وجهة نظره الشخصية، ثم تلى ذلك تبيان للمسيرة التاريخية للعمل الوطني الليبي حسب رؤية مُقدِّميها.

كان الحوار في مجمله هادئاً وسلساً، واحتوى على الكثير من المعلومات المفيدة، وقد كانت وجهات النظر فيه متقاربة و ذات طيفٍ واحد، كما طغى عليه كثرة المجاملة و مديح المتحاورون لبعضهم البعض، و غياب النقد الحقيقي للذات و الغوص العميق في تفسير وفهم الاحداث التي عصفت ببلادنا منذ 17 فبراير2011 و إلى يومنا هذا، و التي كان مشاركاً و فاعلاً فيها أكثر من شخصية ممن حضروا الندوة.

مما ذُكر خلال الحوار: أن هدف ثورة فبراير الاساسي كان إسقاط النظام القائم في ذاك الوقت، وأنه قد تحقق خاصة بعد إجراء أول أنتخابات ناجحة بالمقياس الاجرائي.

ما أره : أن ما حدث هو أقرب للاضطراب أوللإنفجار ولم يصل بعد ليكون ثورة ، وإن كان هذا الامر أي إسقاط النظام عملاً أساسياً و مهماً في مسيرة الثورة ولازماً لنجاحها ، إلا أنه لا يمكن أن يعتبر هدفاً لها بقدر ما هو فِعل مرحلي لازم للوصول إلى الهدف المنشود ألا وهو إقامة دولة القانون والمؤسسات والتي تضمن المشاركة السياسية الفاعلة وتحقق التوزيع العادل للثروة و توفير الحياة الكريمة لكل الليبيين وهذا ما لم يحدث بعد و مسيرته لازالت مُتعثِّرة ، حين يحدث هذا ، يمكن تسمية الحدث بالثورة ، ذلك حينما تكون حققت أهدافها وارتقت بالمجتمع و أحدثت نقلة نوعية متعددة الوجوه، إقتصادياً و أجتماعياً وسياسياً .

أما وضع اسقاط النظام القائم كهدف فيمنح فاعليه حين تحقيقهم له شعورا بالنصر، و مبرراً لفشلهم في إدارة شؤون الدولة، وأن الثورة قد حققت غايتها، وإن كان على حساب انهيار الدولة وسقوطها في الفوضى ، وفقدانها لسيادتها الوطنية ، فهذا يقلل من شأن الثورة و يحدّ من مصداقيتها و يُبعدها بصفة عامة عن مسار غيرها من الثورات ، ويجعلها أشبه بعمل غوغائي فوضوي مُبرر ( المُهم الطاغية مات ) .

أيضاً من كُبرى المغالطات التي ذُكرت خلال الحوار: القول بأن بلادنا عبر مسار تاريخها، كانت دائماً تحت ظل الهيمنة الاجنبية، وهذا أمر غير صحيح، حيث شهدت بلادنا – على الاقل – فترتين هامتين كانت لها فيهما سيادة وطنية على ترابها ، وحتى سيطرة على مياهها الاقليمية و ما بعدها ، و تأثير لبلادنا في محيطها الاقليمي والقاري .
أولهما في فترة حكم الأسرة القرماللية والتي أسسها أحمد باشا القرماللي سنة 1711 م ، واستمرت لزهاء قرن و ربع ، تمتعت فيها بلادنا بإستقلال شبه تام وهذا ليس بالامر الهين في ذاك الزمان ، وعرفت أوج قوتها في عهد يوسف باشا القرماللي – حفيد مؤسسها – الذي فرض سيطرة دولتة على أراضيها ، كما أعتبر السياسة الخارجية حق أصيل لحكمه ، و أستطاع فرض الهيمنة على جزء كبير من البحر المتوسط وأجبرعديد الدول الغربية على احترام ذلك ، بما فيها الولايات المتحدة الاميركية ، وعلى دفع الإتاوات للسرايا الحمراء ، لقاء ضمان سلامة سفنها وتجارتها العابرة لمناطق النفوذ الليبي في ذلك الوقت .

أما الفترة الثانية الهامة والتي تم إغفالها تماماً خلال مسار الندوة فهي فترة الدولة الليبية منذ 1969 و إلى 2011 ، بزعامة الراحل العقيد معمر القذافي ، والتي أستعادت فيها بلادنا سيطرتها الكاملة على أراضيها و مياهها و ثرواتها ، ويحسب ذلك كله لثورة الفاتح من سبتمبر و من قاموا بها ، حيث ومن الأيام الأولى لنجاحها دعت الثورة إلى إجلاء القواعد الاجنبية عن التراب الليبي ، و حققت ذلك في خلال أقل من سنة من قيامها ، كما قامت سنة 1970 بتأميم جميع المصارف الاجنبية العاملة في البلاد ، والتي كانت تتحكم بعصب الدولة الاقتصادي ، لتصبح ملكيتها بالكامل للشعب الليبي ، كما لا يفوتني ذكر قيامها بطرد بقايا المستعمرين الطليان الفاشست واستعادة الاراضي والممتلكات التي أغتصبوها من الشعب الليبي ، أبان الاستعمار الايطالي الاستيطاني الظالم ، وتسليمها لأبناء الشعب الليبي ، ناهيك عن تأميم قطاع النفط و إنشاء المؤسسة الوطنية له و تسليمها زمام أموره والذي تم أيضاً سنة 1970 ليكون الليبيون وحدهم هم المتحكمون في ثروة بلادهم النفطية والمسيطرون على شؤونها بعيداً عن أي تدخل أو هيمنة اجنبية .
يعتبر تأميم صناعة النفط في ليبيا حدثاً عالمياً فارقاً كانت بلادنا سبّاقة فيه، تبعته و أستفادت منه بعد ذلك العديد من الدول مثل الجزائر سنة 1971 والعراق سنة 1972.

أتسمت فترة حكم معمر القذافي لبلادنا، بالاستقلالية التامة في اتخاذ القرار والندية في التعامل مع جميع دول العالم ،كما كانت لدينا فيها وجهات نظر ورؤى واضحة وتأثير لما يدور حولنا ،خاصة في المجال القاري والإقليمي ، ومن شواهد ذلك مساهمة بلادنا الكبيرة والفاعلة في إنشاء الاتحاد الافريقي، والذي أعلن قرار إشهاره في مدينة سرت ، يوم 09/09/1999 ، مما جعلنا نتبوء فيه و بجدارة مكانة أحد اللاعبين الخمسة الكبار فيه ، رفقة دول جنوب أفريقيا و نيجيريا ومصر والجزائر ، مع ملاحظة أن بلادنا من الاقل عدداً للسكان ، ليس من بين الدول الخمس فقط ، بل من بين جميع دول القارة السمراء، و لكن عزائم الرجال على قِلَّتهم ، هي من يصنع المجد والشرف للأمم .

هذه بعض الملاحظات النقدية عن الندوة والتي لا تغطي مسارها بالكامل نظراً لطولها وتعدد محاورها .

أشجع بصفة عامة على إقامة مثيلاتها، وأن تتضمن نخبة مثقفي الاطراف الليبية المتخاصمة، لعلها تساهم في تقريب وجهات النظر وتفتح باباً للحوار العاقل البنّاء، والذي سنصل به إلى ما لن توصلنا إليه أفواه البنادق مهما أطلنا استخدامها.

ملاحظة أخيرة: في إطار سعينا لبناء دولتنا الحديثة القائمة على العدالة والانصاف، من المهم جداً تقييمنا الموضوعي للأمور و تبيان الحقائق بكل شجاعة و صدق ، و أن نعطي لكل ذي حقٍ حقه، وعدم تكرارأخطاء من سبقونا، في طمس إنجازات غيرنا، وتقييم الامور وفق مصلحتنا ومن جهة نظرنا فقط، فكل شيءٍ مُسجَّل والتاريخ لن يرحم أحداً .

شكراً وتقبلوا مني كل أحترام وتقدير

خالد محمد بشير الهوني.
مواطن ليبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى