أخبار ليبياحياة

المكتبة (17)

نخصص هذه المساحة الأسبوعية، كل يوم أحد، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.

صالح قادربوه: شاعر وكاتب ليبي. وُلد في بنغازي (1975)، متحصل على ليسانس آداب تخصص اللغة العربية. رئيس المركز الليبي للدراسات الثقافية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية والإدارة الثقافية.

صدر له: ( اشتهاء مستحيل ـ 2002)، ( تراتيل أسفل شرفة الوعد ـ 2004 )،( التأويل الوردي لبياض الكوكب ـ 2006 )، (تقنية المرح ـ 2008 ).

ـ ما الذي جاء بك إلى عالم الكتابة؟

ـ هذا السؤال يبدو غريباً قليلاً بالنسبة لي بعد أن قضيت شطراً كبيراً من حياتي في هذا العالم، لكني قد أجيب بإشارة إلى محاورة مفترضة بين محكوم عليه بشرب السم لأنه أراد تغيير العالم عبر تغيير الإنسان، أو على الأقل التأثير فيه بصورة عميقة، وبين قضاة يريدون التمسك بالحال القائم: الثبات الفلسفي الثقيل والجليل بإصدار حكم إفساد الآخرين على المهووسين بالتفكير.

لقد قادني هوسي بتغيير جذري مثالي للنظام البشري القائم عبر حساسية لازمتني من صغري تجاه كل ما يحيط بي ويصدر عنه، وقوة عاطفية لتخفيف الشر والتعقيد، لتأسيس تقاليد الخير الخاصة بي، والمقرونة ضرورة بفك تشفير الكراهية والقدرة على إنجاز نص الجمال: الفردوس الذي ما يزال مفقوداً رغم إحاطة النصوص به وتكبيل ظله في الأدب تحديداً. لقد قادتني نفسي الواعية إلى الكتابة، وقادتني الكتابة بعد ذلك لا إلى الوعي بنفسي فقط، بل بالنفس كلها، مفهوماً وصوراً.

ـ ما الكتاب الأكثر تأثيراً في حياتك؟

ـ كل مؤلفات فيودور ميخائيلوفيتش دوستويفسكي، ولولا أنني بدأت بروايته العظيمة (الجريمة والعقاب) لكانت روايته (المراهق) هي صورة التحول الفذ من سطوة البراءة الفكرية إلى اقتحام الأسئلة البسيطة والكبرى، بالخطورة المؤكدة في سرد أحداث لا تخرج عن حياة كل حي.. لقد كانت كتبه زلزالاً شق الجلاميد والجليد، ليبدو تحتها أمة كاملة من الحيوات القائمة على فهم متفرد غير مسبوق.

ـ أول كتاب قرأته؟

ـ مجلات الأطفال والقصص العالمية المصورة أول ما قرأت، وهي ذخيرة هائلة من التشكيل والتداعي والسؤال والتلهف والنبض مكنت حب الكتب من قلبي، فيها اكتشفت كيف يتم صنع المغامرة عبر السرد، والحوار بين شخوص متساوية، وفهمت معنى العدالة ومكافحة الجريمة وتتبع الدلائل نحو الحقوق.. كما فهمت المتعة الفنية وبهجة العقل. عالم قصص الأطفال وكتبهم كان ملاذي وخارطة كنوزي.

ـ علاقتك بالكتاب الإلكتروني؟

ـ ليس لديّ مشكلة في قراءة الكتب، سواء كان الكتاب ورقياً أو على اللاب، ليس لدي ذلك الادعاء الرومانسي بالتعصب لأي منهما بتقديم الحجج الإعلامية، فما يهمني هو ما كتبه الكاتب، سواء قرأته على ورق ذي رائحة وملمس أو عبر شاشة مسطحة، أو ما سيأتي به المستقبل من وسائط أخرى. العظمة تبقى لما هو مكتوب، حتى وإن أقررنا بقيمة ما يتم الكتابة عليه أو فيه أو عبره.

ـ الكتاب الذي تقرأه الآن؟

ـ هكذا تكلم زرادشت.. وأقرأ منذ مدة رواية (الشياطين)، وقد لا يستوعب البعض هذا التريث (التخلف) في التواصل مع كتب مثل هؤلاء الكُتاب الأفذاذ؟ لكني أؤكد أن ما كتبوه له وجود أولي كامن في عقلي، وما دونوه من تصوراتهم المؤثرة له جذوره في وعيي وعاطفتي، لذا لا أستغرب شيئاً مما يكتبون، لكني فقط أتعجب أمام الكتابة العظيمة نفسها.

ـ الموسيقى المفضلة لديك؟

ـ تلك الموسيقى التي لا تقترن بالغناء، إن التلحين هو روح هذا الفن، النغمات المتواشجة هي صفة الموسيقى والشفافية النغمية التي ينتجها كيان الملحن هي ما يلخص فلسفة هذا العلم الجمالي الخالد. أستمع إلى الموسيقى التي يفهم ملحنها غنى الصمت في جدار صلد وفقر الصخب في الاحتفال خارج الغابة. لكنني بالتأكيد أميل للموسيقى التي تحمل قدرا عظيماً من الشجن، وتلك التي تجعل الالآت تضحك.

ـ علاقتك بمؤلفاتك؟

ـ ديواني (التأويل الوردي لبياض الكوكب) هو مدخل فهم مكتبتي الشخصية، لذا فهو محبوب أول لي، ثم (تقنية المرح) خطوة استكشافية مستخفة بتحريض من العقل المخطط للتحولات، لذا فهو محبوبي الثاني. لي مخطوط أحبه (قبلة في مطار عسكري) وكتاب مسرحيات سيكونان محبوبي الثالث والرابع. كل كتبي كانت معي في اقتحامي مجتمع الناس المليء بالبغض والشر والأمنيات، وخففت عني وأنا على المذبح، لذا فهي هوية حقيقية لي ودوال متحققة عني.

ـ هل ستغير الكتابة العالم؟

ـ لقد فعلت ذلك منذ أول كلمة تم تأليفها في كتاب الوجود، غيرت الكتابة كل شيء، وخلفت خلفها الخرائب، لكنها قدمت للبشرية لعبة الأسرار. حولته من عالم يتم عيشه إلى عالم يتم العيش فيه، من السفر إلى عقدة المحطات، من الحب والنظرات الراغبة إلى النظرات التي تبحث عن الحب والرغبات.. لقد أكدت الكتابة قوة العالم من خلال التفشي في هشاشته، ومازالت تتطفل بإمعان داخله كبكتيريا نافعة.. إلا إذا صعدت نحو هوائه وسدت القصبات، لتلفت الزمن إلى قفزة التفكير في العلاج خارج الجسد في الأفكار.

ـ ماذا تحتوي مكتبتك؟

ـ مكتبتي الآن داخل صندوقين متوسطي الحجم في صندوق سيارتي الخلفي، متنوعة المشارب، هذا ما تبقى.. لقد كنت محموما في اقتناء الكتب وقراءتها، لكني بعد ذلك بدأت أقصد المكتبة للاطلاع، ثم بدأت ببيع ما خاب ظني فيه، لكني بالتأكيد سأعيد تكوين مكتبة من الكتب التي سأختارها بعناية، مما أحب وأقدّر. تحتوي مكتبتي اتجاهاتي وذوقي، وما يخفف من حنقي على رداءة في آلاف الكتب من عشرات الكتب.

ـ ما الذي يشغلك اليوم؟

ـ أسست (المركز الليبي للدراسات الثقافية) مع مثقفين وكُتاب ومهتمين، وبدأ يسير بثبات، أريد أن أُنجح هذا المشروع، وأنتقل إلى مشاريع أكبر.. تتأسس على التفكير والعمل، وتحقق تهمة التأثير في الناس التي سببت إعدام السفسطائي الكبير. طبعا مع كتب سأنجزها ستكون انتقالاً جديداً وأثراً دامغاً أمام الابتسامة المنافقة لنصف المعرفة المتبدية في نصف الجهل المتفشي في جميع الأوساط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى