اهم الاخبارحياة

المكتبة (14)

نخصص هذه المساحة الأسبوعية، كل يوم أحد، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.

محمود خير الله: شاعر مصري، نائب رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون، ومدير تحرير مجلة الثقافة الجديدة “الهيئة العامة لقصور الثقافة”.

صدر له: (فانتازيا الرجولة ـ سلسلة إبداعات ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ القاهرة ـ 1998)، (لعنة سقطت من النافذة ـ شعرـ دار ميريت ـ القاهرة ـ 2001)، (ظل شجرة في المقابرـ شعرـ دار البستاني ـ القاهرة ـ 2005)، (كل ما صنع الحداد ـ شعر ـ دار صفصافة ـ القاهرة ـ 2010)، (بارات مصر.. قيام وانهيار دولة الأُنس ـ دار روافد، القاهرة ـ 2016 بمنحة من صندوق التنمية العربية ـ آفاق)، (صبي الفراشات الملونة.. اختيار وتقديم قصائد الشاعر الفلسطيني طه محمد علي، سلسلة الإبداع العربي ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ 2017)، (الأيام حين تعبرُ خائفة ـ سلسلة الإبداع الشعري ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ 2019).

ـ ما الذي جاء بك إلى عالم الكتابة؟

ـ كل أحداث العالم تقود الشاعر إلى القصيدة، أصبحتُ أعتقد أن الشاعر هو ذلك الشبح الغامض الذي يعلو فوق الأحداث الصغيرة والمؤسفة التي تمر بها حياته، ليقودها مباشرةً إلى الخلود، أي إلى الشعر، ثم بعد ذلك يبدأ الروائيون والصحافيون والسياسيون ـ وحتى بعض الممثلين ـ في الحديث عنها باعتبارها الموضة الخاصة بهم، في ظني أن كل أشياء العالم تقود الشاعر ـ دون كل الكائنات الأخرى في الحقيقة ـ إلى الكتابة، مراقبةُ الأمهات أمام الفرن لساعاتٍ طويلة كل يوم من أجل إنتاج الخبز ـ في ظني ـ هو أكثر الأفعال التي قادتني إلى الكتابة، وبعدها جاء دور مكتبة أبي العامرة بالكتبِ والمجلات، أبي وأمي وبيتنا والحارة التي ولدت بها، والشارع الذي لعبتُ فيه صغيراً والقرية الكبيرة التي ولدتُ فيها، والعالم الذي أعيش فيه، كل شيء كل شيء، كان ـ ولايزال في الحقيقة ـ يقودني إلى الكتابة.

ـ ما الكتاب الأكثر تأثيراً في حياتك؟

ـ كتبٌ كثيرةٌ تركت ندوبها عليَ، الروايات وكتب السيرة الذاتية والفلسفة على وجه الخصوص، أكثر بكثير حتى من كتب الشعر، فقد أحببتُ مبكراً اليوناني العظيم نيكوس كزانتزاكيس، ولو كنتُ في طريقي إلى خارج هذا الكوكب، سأصطحبُ معي سيرته الذاتية “تقرير إلى جريكو” التي اشتريتها مراتٍ لا تُحصى بترجمة الشاعر السوري ممدوح عدوان.

ـ أول كتاب قرأته؟

ـ لا أخجل الآن من قول إن أول كتاب قرأته كنت صبياً في عامي الثاني عشر تقريباً، وأنه كتاب لأحد دعاة الإسلام السياسي، في الثمانينيات من القرن العشرين، ودائماً ما يكون الكتاب الأول هو ابن سلسلة عظمى من الأخطاء والخطايا، التي يحاول المرء طوال حياته إصلاحها، كنت أعشق في صغري رواية “الأيام” لطه حسين، وأحببت مبكراً شعر صلاح عبدالصبور وأمل دنقل، وانحزت مباشرة إلى محمد الماغوط، وبدأت محبتي للقصيدة الجديدة، بعدما توقفت طويلاً أمام تجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش فقد كنتُ منذ صغري حريصاً جداً لكي لا أقع في غرامه القاتل، مثلما فعل الكثير من زملاء الدراسة الجامعية، الذين كانوا يكتبون شعراً جميلاً جداً لكنهم توقفوا، بسبب غرامهم بشعر درويش، وقد نجوتُ من هذه اللعنة بأعجوبة، لأنني تصرفتُ مبكراً جداً بقناعة يغذِّيها الغرور اللازم للشعراء، ولخَّصها لي بمنتهى الحكمة الشاعر الكبير الراحل مريد البرغوثي، حينما سألته ذات مرة في بيته في وسط القاهرة، عن شاعرية درويش التي خطفت أضواء الإعلام من أجيال متوالية من الشعر الفلسطيني المعاصر له واللاحق عليه، فقال مريد بكل ثقة: “كلنا بستاني وكلنا ينسِّق حديقته”.

ـ علاقتك بالكتاب الإلكتروني؟

ـ أصبحت جيدة جداً الآن رغم حداثة التجربة التي لا تزيد على العامين تقريباً، حيث بات من الممكن أن أقرأ كتاباً إلكترونياً بسهولة، بعد تمرينات طويلة وشاقة، لكنه بالنسبة لي أصبح عملاً ساحراً، صرتُ أقرأ كل ما أشتهي بطريقة سلسلة ومذهلة، الأمر الذي حسن من ذوقي وغير الكثير في كتابتي للشعر مؤخراً. ومن بين أجمل التجارب التي مررت بها في هذا السياق أنني قرأت النسخة الإلكترونية من أنطولوجيا الشعراء المنتحرين بعنوان: “سيجيء الموتُ وستكون له عيناك”، التي ترجمتها جمانة حداد، وأحب أن أوجه لها شكراً عميقاً لأن هذه الأنطولوجيا من أجمل وأرق الأعمال المترجمة، المنقولة بلغةٍ فنيةٍ عاليةٍ، كما تتضمن أيضاً ميزة إضافية هي النص الإنجليزي، الأمر الذي شجعني على الاستمتاع ـ قدر الفهم ـ بالنص الأجنبي أيضاً.

ـ الكتاب الذي تقرأه الآن؟

ـ (تقطيع أوصال أورفيوس نحو أدب ما بعد حداثي) لإيهاب حسن، من ترجمة القدير السيد إمام، وأظن أن إيهاب حسن ـ سليل إحدى العائلات التي شاركت في حكم مصر إبان حكم أولاد وأحفاد محمد علي باشا ـ كان في حاجة إلى العودة إلى وطنه الأم مصر الذي غادره شاباً عام 1947، ولم يعد إليه حتى وفاته عام 2015، لقد سد السيد إمام فجوة هائلة في الثقافة العربية بتصديه لترجمة هذا المصري العظيم، الذي درس الهندسة في جامعة القاهرة، لكنه هاجر إلى الولايات المتحدة لينحت للعالم مصطلح (ما بعد الحداثة)، وأنا أحب أن أشكر المترجم القدير على ما قدمه من متعة في نقل أفكار إيهاب حسن، حيث افتقدت ترجمات حسن الأخرى إلى اللغة العربية الكثير من الألق.

ـ الموسيقى المفضلة لديك؟

ـ أحب أنواعاً لا حصر لها من الموسيقى، أتنقل دائماً بين العربي والأفريقي والإسباني والأوروبي وكل الموسيقى التي يمكن أن أحبها، أشعر بسعادة غامرة كلما اكتشفت مقطوعة فريدة أو أغنية بديعة بأي لغة، لا يهم، ما يهمني هو الموسيقى أكثر من الكلمات، أنا أشعر أن كل اكتشاف لأغنية جديدة هو أمر يفيد التجدد الذهني والفني عندي، ويسهم مباشرةً ـ وبلا شك ـ في كتابة القصيدة.

ـ علاقتك بمؤلفاتك؟

ـ جيدة جداً، لكنني لا أحتفظ بنسخٍ من كتبي في مكتبتي، أعتقد أن مكتبات الآخرين هي المكان المناسب لاقتناء كتبي.

ـ هل ستغير الكتابة العالم؟

ـ في الماضي كانت إجابتي على هذا السؤال أنه من الممكن تغيير العالم بالشعر، لكن الآن أعتقد أن الشعر يستطيع أن يغير العالم بالتأثير على حواس القارئ وإدراكه، لدي ظن أن حساسية الشعر تنتقل شيئا فشيئا إلى فنون أخرى، ربما أكثر انتشاراً من الشعر، مثل الرواية والسينما، وبالتالي يُمارس الشعرُ تأثيراً كبيراً على العالم بهذه الطريقة طبعاً.

ـ ماذا تحتوي مكتبتك؟

ـ تحتوي رواياتٍ وشعراً وكتباً في التاريخ والفلسفة والفنون والاقتصاد السياسي والأدب الشعبي والسير الذاتية، وهذه هي الأقسام الرئيسية، يبقى هناك كتبٌ سياسية وكتب النقد الأدبي والفن التشكيلي لكنها أقل عدداً.

ـ ما الذي يشغلك اليوم؟

ـ أعمل على ديوان جديد، عنوانه المؤقت هو (كما يلمع الحليبُ في العتمة)، آمل أن أنتهي منه خلال النصف الأول من هذا العام، كما أعمل على كتاب في التاريخ الوجداني للشعب المصري بعنوان (مزاج الباشا.. تاريخ ثقافة الخمور في مصر).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى