أخبار ليبيااهم الاخبار

المكتبة (10)

نخصص هذه المساحة الأسبوعية، كل يوم أحد، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.

عائشة الأصفر روائية ليبية، مواليد 1956، نشأت وتقيم في سبها، متحصلة على ليسانس فلسفة ـ جامعة قاريونس ـ بنغازي ـ 1978.

صدر لها خمس روايات: (اللي قتل الكلب ـ 2007)، (خريجات قاريونس ـ 2007)، (اغتصاب محظية ـ 2012)، (النص الناقص ـ 2017)، (علاقة حرجة ـ 2019 ).

ـ ما الذي جاء بك الى عالم الكتابة؟

ـ إذا سلمنا أن الكتابة عموما بما فيها الإبداعية، هي عملية تدوين وتوثيق ونقل لما نود قوله، فهي على مستوى الأفراد سكب لأفكارهم من الداخل الخاص، إلى الخارج العمومي، وبهذا فقد بدأتْ الكتابة بداخلي أولا، وأنا أنقل لرأسي أحلام يقظتي، أفرغ به ما يزعجني أو ما أحلمُ بتحقيقه، في العاشرة كلما ضاق صدري أتسلل إلى مقبرة الحي، أتكئ على الجدار الخلفي لآخر بيتٍ فيه، أشعر بسكينة هائلة وأنا أتأمل مساكن الموتى بيني وبينها فقط بضعة أمتار من الفضاء الرملي الساحر بنعومته ولمعانه، والذي يحوطها حتى الأفق، تخربش الريح سطحه، تلعب بحبيباته، تنفخ جوانح ثوبي، وتأخذني إلى عالم نائم تحت شواهده، استنطق النّوم، مطمئنة لجانبهم، واثقة أن لهم حياتهم، أعتقد أني خربشت (اللي قتل الكلب) مذ حكاها لي جدي في التاسعة، وبدأتُ في (خريجات قاريونس) منذ دخلت جامعتها في 1974، فقط تأخر نشرهما إلى 2007، أظنني كتبت (النص الناقص) منذ زيارتي لمصحة الأمراض العقلية في العام الخامس والسبعين، ومثلها روايتي (اغتصاب محظية)، و(علاقة حرجة). لنقل بدأتُ الكتابة الطبيعية عندما قررتُ نشر رواياتي بعد أن أثقلتْ رئتي. أفرُّ إلى الكتابة بأسئلتي، وأحقق داخلها حريتي في رسم العالم الذي أريد.

ـ ما الكتاب الأكثر تأثيرا في حياتك؟

ـ إذا استثنينا القرآن الذي فتحتُ عيني عليه فليس في ذهني كتابا بعينه له الأثر في حياتي، كل المؤثرات لديّ تراكمية، الحياة ذاتها أكبر كتاب يؤثر فينا ويعيد تشكيلنا كل مرة، كل كتاب أقرؤه يترك أثرا دون أن أشعر به، الغريب أني أنسى تفاصيل ما أقرأ، ولا أذكر محتوى الكتاب إلا بالمجمل دونما حيثيات. حتى (البؤساء) الشهيرة رغم قراءتي لها ثلاث مرات لا أتذكر منها إلا السجن.

ـ أول كتاب قرأته؟

ـ للأسف لا أذكر. ربما السبب أن البدايات في الغالب تضنّ علينا بالبقاء لأننا نمتلكها، عكس النهايات التي تمتلكنا فتكون حصتها من الذاكرة أوفر. أضف أن علاقتي بالتواريخ باهتة إلى حد ما. سأقول باشرتُ بقصص الأطفال منذ الرابع، التهمتُ أغلب الروايات العالمية والعربية ودواوين الشعر المتنوعة في الإعدادي، وبدأ شغفي بالفلسفة وعلم النفس بالثانوي.

ـ علاقتك بالكتاب الالكتروني؟

ـ رغم الطعم الخاص للكتاب الورقي، غير أنني وجدت راحة ويسر في الوصول للكتاب المنشود عن طريق التقنية الإلكترونية، سريعا ومجانا في أي وقت وأي مكان.

ـ الكتاب الذي تقرئينه الآن؟

ـ رواية (القرد) للكاتب الصيني ووتشانغ إن، التي كتبها في القرن السادس عشر، وتُرجمت إلى العربية في العام 1998، تشتغل الرواية على الحكاية الصينية وكيف انتقلتْ البوذية من الهند إلى الصين.

ـ الموسيقى المفضلة لديك؟

ـ الموسيقى هي روح الطبيعة، وصوتها الحقيقي، هي ربّة الشعر، تشدني ألحان العود، والناي، والقانون..، أميل لأغلب الموسيقى العربية، أحب الموشحات، وتستهويني أغاني مطربي السبعينيات، وأستمتع بأغانينا الشعبية، ولكل وقت ألحانه، أميل للهادئ منها في الصباح، وذات الشجن في المساء. ودوما أتجنب الموسيقى الصاخبة.

ـ علاقتك بمؤلفاتك؟

ـ علاقة عائلية، أتعلق بشخوص نصوصي، ويحتلون مساحة كبيرة من مشاعري، أرجع بين الفينة وأخرى لرواياتي، أقف عند فقرة وألوم نفسي كيف وقعتُ في هذا الحشو، وقلما أقف عند أخرى وأتساءل: أحقا أنا من رسم هذا الجمال! ذائقتي الأدبية صعبة ولم أصل حدّ الرضا عما أكتب.

ـ هل ستغير الكتابة العالم؟

ـ لا أظن. ليست مهمة الكتابة الإبداعية تغيير العالم ولا إجابات لديها لحلحلة قضاياه، الإبداع يطرح الأسئلة، يعرّي الواقع بواقع متخيل موازٍ له. العالم يتفكك بسرعة رهيبة، يؤثر العالم في الكتابة وبدورها تؤثر فيه، لكن أثر الكتابة يسير ببطء، ورغم ذلك ففي الماضي كانت للكتابة فاعليتها في التغيير ولو نوعيا، القراءَة تبدل تكوين الفرد، وبدوره يفعل التحول سواء على المستوى الفردي أو الجمعي، على سبيل المثال، رواية (كوخ العم توم) للكاتبة الأمريكية هيريت بيتشر، 1852، والمطالبة بتحرير العبيد، ساهمت في وصول إبراهام لنكولن للحكم، الكتب الدينية أيضا ظاهرة الأثر. أعتقد اختلف الأمر اليوم، والأسباب تطول.

ـ ماذا تحتوي مكتبتك؟

ـ مكتبتنا غنية جدا، تضم الكثير من أمهات الكتب، أدب، تاريخ، فلسفة، فقه، مجلات دورية عريقة، والنصيب الأكبر للأدب بكل أجناسه.

ـ ما الذي يشغلك اليوم؟

ـ لا شيء أكثر من بؤس وهوان الإنسان في بلادي، وفي كل وطننا الكبير من المحيط إلى الخليج، وضياع انتمائه وتشظيه، وأيضا هذا السقوط المريع للإنسانية عامة. للأسف العالم يشهد انهيارا وإن بدا متفاوتا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى