اهم الاخبارمقالات مختارة

الماقني مودعا الكيخيا “رفيق العقود”

أحمد الماقني

نوري أيها الحبيب رفيق العقود الخمسة على درب النضال ستظل مواقفك أقوى أعمدة الذاكرة التي استمد منها الصمود كلما تراجع منسوب الأمل و التفاؤل عندنا. لقد أدركت في آخر مكالمة بيننا منذ أسابيع شدة الوجع و الألم الذي تعاني منه حينما تشتت حروف كلماتك على لسانك الذي عودنا نطق الكلمات بصراحة وصدق وحيوية. وحينما أبلغت زوجتي منذ أسبوعين أن تؤجل موعد زيارتها لكم وأنت الحريص على دوام الزيارة، لأننا حقا كنا أسرة واحدة، ادركت حينها حجم معاناتك التي تحاول أن تخفيها. فكنت دائم مناداتي “بالأخ الذي لم تلده أمك”. عبر رحلة النضال كنت الرمز الذي أحمله معي في جميع محطات العمل الوطني. كنت النقاء و الصدق و الشهامة، كانت قامتك في العمل الوطني سامقة، تؤمن أن ضوء الأمل قد يبزغ من أضيق الشقوق. حينما حدثت كارثة سقوط شهداء يناير في سنة 64 كنت الشجاع الذي لم يخش السلطة فوضعت باقات الزهور على قبور الشهداء. وقتها كنا ساعتها قد بدأنا الركض في برية العمل الوطني، وتواصل إشهارنا لرفض لجم الأفواه رافضين الهوامش الضيقة لممارسة الحرية، فقدتنا للسعي لخلق ساحات في الوطن لجميع أشكال الحرية. قراءتك الصائبة لإنقلاب سبتمبر كانت أبعد من إندفاع عواطفنا. فمنذ الشهور الأولى للإنقلاب كانت مواقفك ثابثة رافضة لإطروحات عصابة سبتمبر، ترسم لنا الصورة التي سيؤول عليها مستقبل الوطن. وقدتنا حينها لحشد طاقاتنا في مواجهة العبث الذي ولدته المقولات الفاسدة. وبشجاعة المناضلين أدركت خطأنا في عدم فهمنا لحقبة الإدريس الرائدة، وكان إصرارك على طلب العفو منه شخصيا وتم لك ذلك وظل صدى كلماته معك عبر مشوارك النضالي في وجه طغاة سبتمبر. ولأنك لا تؤمن إلا بالعمل المؤسسي فانطلق معك أول صوت للمعارضة من خيرة رجالات ليبيا في ” التجمع الوطني” ودشنت مجلة “صوت ليبيا” مرحلة النضالي العلني ضد حكم سبتمبر. وحينما تشكلت فصائل المعارضة كنت تشكل قوة وازنة فيها بين تياراتها الإيديولوجية، بشفافية طرح رؤاك وعمق صدقك ووفائك. واعتبرتك أجيال النضال مدرسة تخرجت منها أجيال أعطت الكثير للوطن.
وجاء فبراير و التحمنا في بوتقة العمل سويا، كنت أرى غزارة دموعك وهي تحمد الله أن مكنا من أن نشهد ثورة شبابنا على تحطيم أصنام سبتمبر . وتبرز عبقريتك في فهم الواقع لتدرك مبكرا أن الثورة قد سرقت لكثرة ( الشعباطة) على إمتداد الوطن و خاصة أولئك الذين كانوا مجرد ظاهرة كلامية، وحينها تحول الوطن إلى ساحات لتأجير البنادق، وغابت الحقيقة لتظل رهينة المستقبل، وكثر السماسرة الذين عملوا على تفتيت اللحمة الوطنية. كان أملك أن تشهر الثورة (الكرت الأحمر) في وجه الفساد و الطغاة، لأنها كانت تمثل الحصان الذي راهنا عليه، وبكل أسف و حسرة فقد صرخت نوري مبكرا أننا أمام فواجع تقسيم المقسم. وقلت ساعتها بحسك الوطني أن ما يحدث يمثل خطرا وجوديا على ليبيا.
ستبقى نوري كلماتك و مواقفك إحدى ( المعلقات) على جدار مستقبل الوطن تعاد قراءتها عبر أجيال و أجيال.
نوري أيها الحبيب أستادي في مدرسة العمل الوطني أعلم أنك عشت بذاكرة مكتظة بالآلام لخيبات عاشها الوطن. أنا لن أودعك أيها الرمز الفذ فأنت وليبيا تسكناني، وسأبقى لكما وفيا كما علمتني أن الوفاء هو أنقى قيم الوجود.، وهو ما تعلمته كذلك من رفيقة دربك الشامخة سعاد التي ارتبطت مع تجربتك وغربتك في قارات العالم وفية صابرة مخلصة لقضية حملتها معك حب ليبيا بأمل أن تراها عروس الكون. نوري (رفيق عمري) سعاد رفيقة عوالمك أعلم أنها ستظل وفية تنتظر يوما لتهمس لك في مضجعك ” إنهض من سباتك مغمور السعادة أن أحلامك قد تحققت”. ولعل الله أن يأتي بهذا اليوم قريبا. استرح أيها الفارس استراحة مجاهد ودعنا نحترق لوعة على غيابك فأنت في ذمة وحضرة الله الذي نأمل أن يجازيك خير الجزاء على ماقدمته لوطنك و ما تحمله من آلام ومشاق من أجل ليبيا الذي تكرر دائما ” ليبيا ليست التي نسكنها ليبيا التي تسكننا).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن صفحته الشخصية-فيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى