أخبار ليبيااهم الاخبار

المزداوي: لا يليق بكم الحزن، وإكرام الإنسانية إحياؤها

خاص            

حمزة جبودة

في زحمة الوضع الراهن في ليبيا، وتراكم الأزمات المتتالية على كاهل المواطن، وفقدانه الثقة في كل من يتكلم باسمه، تأتي مشاهد أخرى مغايرة، لم نعتدها من قبل، أبطالها ليسوا سياسيين ولا أطرافا في الصراع بين إخوة الوطن الواحد، وإنما أبطال آخرون لا تُكتب أسماؤهم في قوائم الامتيازات الباذخة على حساب المصارف البائسة، وعلى طوابير ” الدوام اليومي ” على كل شيء من الماء والأكل.. أبطال لا يعرفهم المجتمع الدولي ” المتناقض ” ولم يُزايدوا على أحد بـ ” الوطنية”.. وهذا هو رهانهم لمن لا يعرف عن من نتحدث .. “حطب الفن “.. الذي لا يحرق أحدا، وكان وفيًا على عكس رهان الهزيمة الذي لم يربح حربه ولن يربح شيئًا في هذه الملهاة.. التي كانت ألعابه الصواريخ العشوائية والقتل الممنهج باسم كل شيء من الدين إلى الثورة وليس انتهاءا باسم الرموز التي تحلم بمجدها دون أن تعرف أن المجد تائها في شوارع البلد، ينتظر قوت يومه، منسيًا..!

الفنان ناصر المزداوي
الفنان ناصر المزداوي

وهُنا نقصد على وجه التحديد إدراجا للفنان الكبير ناصر المزداوي على صفحته الشخصية، التي كشف فيها عن حالة إنسانية ومُحزنة على المرء، والتي لخّصها هذا الفنان في كلماته التي تفاعل معها فنانون ومهتمون بالفن والأدب على حد سواء..” كان حدثا جليلاً هزَّني كثيراً وأحزنني ألا وهو وفاة أخي وشقيقي الأصغر (طارق المزداوي) رحمة الله عليه في أيامٍ كنت قد تعاقدت مع إدارة (مسرح الجنينة) بالقاهرة وفي نفس الوقت كنا أنا وزملائي أعضاء الفرقة نتدرب على الأغاني التي سأقدمها وكذلك الوقت قصير وغير كافٍ فقررتُ أن لا أعلمهم بالوفاة وكتمت ذلك في قلبي ولم أظهر لهم ذلك إلا بعد انتهاء الحفل بيومين حيت استضافنا صديقنا (كريم وصفي) على السحور في مطعمه وكان إعلان الخبر عليهم بعد السحور حزيناً وقدروا ظروف عدم إعلاني الخبر وعدم إلغاء الحفل وتحملي الحزن الشديد في قلبي حتى لا أفسد عليهم المتعة بلقائي معهم والعزف معاً بعد سنوات طويلة جداً وكذلك العقد الذي يربطني بالشرط الجزائي المعتاد فتحملت وحزنت وبكيتُ في الخفاء كثيراً”

وتابع الفنان الذي كشف عن نيته في عدم إبلاغ أصدقائه بوفاة شقيقه حتى ينتهي الحفل بسلام وأن لا يُعكّر صفوهم، على حساب نفسه ” رغم محاولاتي إخفاء الحزن والقلق الظاهر على وجهي في التدريبات والذي طالما حاولتُ إخفاءه وبالذات في الحفل وقد تحملتُ مرارة الحزن أمام جمهوري الذين عاشوا مع ألبوم أغاني (الغربة) وجاؤا خصيصاً من أجل استجماع ذكرياتهم معه ومعي ولكن في لحظةٍ ما انفجرت باكياً فبكى معي من أحس بلوعة غربتي وأحزاني طيلة سنين العمر ولم يعرف سبب بُكائي المختلط بفقدان أخ وشقيق عزيز ولوعة كلمات الأغاني التي كتبتها بقلمي وتحمل في طياتها ألم وفراق وترحال ودموع وبرد وجوع وتعب وسهر”

وبعدها لم ينس الفنان ناصر المزداوي في إدراجه الشكر والامتنان لدولة مصر التي استقبلته ورحّبت به في الوقت الذي تشهد فيه بلاده أزمات وغيابا للحكمة  بين فرقاء ” العازة ” والتمعّن جيدا في أصالة الفن ودوره في توعية الشعوب، بعيدا عن لغة التخوين والعمالة التي لطالما كانت سلاحا فتّاكا في مجتمع تعب من كل شيء..” وأنهيت الحفل مع جمهوري المصري من هذا الشعب العظيم الكريم الذي طالما كانت مصر هي منفذ الدخول الوحيد الذي لم يُطالبني أبداً أحد فيه بتأشيرة دخول.. شكراً مصر , شكراً لشعبكِ العظيم , شكراً لكل أصدقائي الفنانين وغير الفنانين , شكراً لكل الأصدقاء والأحباب الكرام وكل من وقفوا معي في المحن ومن شاركوني أفراحي وأتراحي ومنهم أعضاء الفرقة الذين شاركوني هذا الحفل الناجح رغم حزني على أخي وقلقي من أن أفسد متعة الفرحة عليهم”

وختم إدراجه بالشكر لكل من وقف معه من أصدقائه الافتراضيين على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، ومن وقف معه في الغربة.

ولهذه الحادثة الاستثنائية، والمحزنة، وجوه عدّة تحمل في تفاصيلها أهمّ ما يُمكن أن يكتشفه الإنسان في أوقات قاسية، تأتيه على مراحل دون أن يشعر بها. لتفاجأه بعدها أن عزيزا قد رحل، وترك لك إخوة قد لا تعرف أسماءهم، ولكنهم قريبون منك.. عظم الله أجرك في طارق، وعظم الله أجر البؤساء في وطننا.. وألهم الله الصبر لكل مهجّر ونازح وصاحب حلم بدولة تحترم الأطفال في موعدِ نومهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى