مقالات مختارة

«المركزي التركي» والتلميح إلى أزمة اقتصادية

ماركوس آشوورث

على الأقل يبدو أن البنك المركزي التركي لمّح إلى بوادر أزمة اقتصادية، لكن من الصعب تصديق أن المسؤولين سيتخذون إجراءات جادة للتصدي لهذه الأزمة.

وقد شهدت تركيا تسارع التضخم المرتبط بالأسعار الاستهلاكية بأعلى معدل له منذ 15 عاماً ـ 17.9 في المائة، حسبما كشفت بيانات أعلنت الاثنين الماضي. ويبدو أن هذه ليست ذروة الأزمة الحالية بعد. وارتفعت أسعار المنتجين، التي عادة ما تقود أسعار المستهلك، بمعدل 6.6 في المائة في أغسطس (آب) فقط، الأمر الذي تسبب في دفع المعدل السنوي ليتجاوز 32 في المائة. وارتفع مؤشر أسعار المستهلك إلى معدل سنوي قياسي بلغ 17.2 في المائة.

وعلى غير العادة أصدر البنك المركزي بياناً أشار فيه إلى «مخاطر كبيرة» تواجه استقرار الأسعار، وقال إنه سوف «يعدل» من سياساته خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية المقرر عقده 13 سبتمبر (أيلول). وسارع وزير المالية بيرات ألبايراك من ناحيته للرد على هذه البيانات بقوله إن «هناك حاجة لشن حرب شاملة ضد التضخم».

لكنه ذكر أيضا أن ارتفاع معدلات التضخم على المدى القصير «أمر طبيعي».

ومع ذلك فإن ارتفاع مؤشر أسعار المنتجين لأكثر من الضعف منذ بداية العام ليس بالأمر الطبيعي. وفي كل الأحوال لا يعتبر هذا ارتفاعاً وقتياً، وإنما توجه طويل الأمد.

بوجه عام فإنه عندما يواجه اقتصاد ما مخاطر كبيرة تتعلق بارتفاع الأسعار، فإن تأجيل اتخاذ تحركات لمواجهة ذلك يضر بالاقتصاد. وحتى يتمكن المسؤولون من السيطرة على العملة، فإنهم لن يتمكنوا قط من السيطرة على الأسعار.

وعند هذه النقطة فقدت أسواق السندات والعملة ثقتها تماماً في وجود سياسة نقدية مستقلة. ومع ذلك فإن رفع معدلات الفائدة على نحو طارئ سيظهر على الأقل أن البنك المركزي جاد في موقفه، ولا يكتفي برد الفعل تجاه التطورات.

ومن الصعب استيعاب وجود فائدة من وراء الالتزام بجدول الأعمال العادي المرتبط بقرارات السياسة النقدية، في وقت خرجت الليرة والأسعار من دائرة السيطرة تماماً.

لقد عايش المستثمرون مواقف شبيهة بتلك من قبل ويشعرون بخيبة الأمل تجاه الاستجابة التركية. وقد سبق وأن وعد ألبايراك ووالد زوجة الرئيس رجب طيب إردوغان قبل اجتماع البنك المركزي في 24 يوليو (تموز) بأنهما سيتخذان الإجراءات اللازمة لتحقيق استقرار في الاقتصاد والسيطرة على التضخم.

ومني التجار بخيبة أمل شديدة عندما ترك البنك المركزي معدل الفائدة الرسمي دون تغيير عند مستوى 17.75 في المائة. ومنذ ذلك الحين فقدت الليرة نحو ثلث قيمتها أمام الدولار.

ويتعرض الاقتصاد الحقيقي لمحنة كبرى. على سبيل المثال رفعت شركة خطوط الأنابيب المملوكة للدولة «بوتاس»، أسعار الغاز الطبيعي لما بلغ 14 في المائة خلال عطلة نهاية الأسبوع بجانب زيادة أخرى أقرتها الشهر الماضي.

كما تعمقت حالة الانكماش في التصنيع مع تراجع مؤشر مديري المشتريات في أغسطس إلى 46.4 في المائة من 49 في المائة. وتراجع مؤشر الطلبات الجديدة إلى 44 في المائة من 46.6 في المائة.

من ناحية أخرى من الصعب تخمين ما يتعين على البنك المركزي تحديداً عمله، نظراً لأن المسؤولين يبدلون باستمرار أياً من المؤشرات الثلاثة الأساسية يمثل محور اهتمامهم. ومع ذلك فإنه بغض النظر عن المؤشر الذي يقع عليه اختيارهم نهاية الأمر، فإنه يتعين ارتفاعه بمقدار 300 نقطة على الأقل عما كان عليه في يوليو.

إلا أنه مع أي قرار يتخذه يتعين على البنك المركزي إصدار بيان يتعهد خلاله بالاستمرار في رفع معدلات الفائدة حتى ظهور دلائل قوية تؤكد أن التضخم أصبح تحت السيطرة. ولو كان البنك اتخذ قراراً برفع معدل الفائدة على نحو طارئ لكان قد قطع شوطاً طويلاً في هذا الاتجاه.

وعلى القدر ذاته من الأهمية الخطة المالية قصيرة الأجل للحكومة المقرر إصدارها هذا الشهر. وأي إجراء آخر بخلاف فرض قيود على الإنفاق مثلما تعهد إردوغان سيسبب خيبة أمل كبرى لجميع الأطراف المعنية.

أما المعركة الكبرى أمام الحكومة التركية اليوم فهي محاولة إقناع المستثمرين بأنها جادة في جهودها لإنقاذ الاقتصاد واستعدادها للتخلي عن النظريات الاقتصادية التي ألقت بها في هذه الورطة من الأساس.

من ناحيتها لحق ضعف بالليرة بمعدل تجاوز الواحد في المائة الاثنين، في إشارة إلى أنه رغم الخطاب الذي ينتهجه كل من البنك المركزي ووزير المالية، فإن المستثمرين ما زالوا غير مقتنعين بأن المسؤولين الأتراك سيجري السماح لهم بالفعل باتخاذ الإجراءات اللازمة على أرض الواقع.

المصدر
aawsat
زر الذهاب إلى الأعلى