أخبار ليبياالمرأةخاص 218

المرأة الليبية.. طموحة وفاعلة في مجتمع مُدجّج بالسلاح

خاص 218| خلود الفلاح

مشاركة المرأة في تأسيس منظمات المجتمع المدني، يعكس إصرارها على التأثير في السياسات العامة للبلاد. ومن الناحية الرسمية كانت مجالات اهتمام المرأة المنخرطة بمنظمات المجتمع المدني مُرّتبة من خلال “الأعمال الخيرية، شؤون المرأة والطفل، الخدمة الاجتماعية، الثقافة والفنون، القانون وحقوق الإنسان، المجال التوعوي، التعليمي، التنموي، الصحي”؛ أما القضايا التي كانت تشغل المرأة خلال عملها بمنظمات المجتمع المدني، فهي “التمكين السياسي، التمكين الاقتصادي، التوعية بالحقوق، المساواة بين الجنسين، والمصالحة الوطنية”.

في هذا التقرير يتحدث مهتمون وفاعلون في المجتمع المدني عن “المنجز والصعب”، ونظرة المجتمع المحلي.

يقول مدير إدارة التفتيش والمتابعة بمفوضية المجتمع المدني سالم المعداني: تعرضت المرأة الناشطة في المجتمع المدني إلى التهديد والتهجير والقتل، مما تسبّب في انخفاض معدلات انخراطها بمنظمات المجتمع المدني والتي لا تتجاوز “20% ” مقارنة بالرجل، أي بعدد 9,303 ناشطة مدنية وفرن على الدولة ما يقارب 462 مليون دينار ليبي، نظير ساعات تطوعهن من بداية العام 2011، وإلى نهاية العام 2018، هي موجودة بكثافة في مجموعات الضغط والتأثير في القضايا التي تمسها وقضايا الرأي العام، المرأة تقود 19% من الكيانات المدنية في ليبيا.

ويلفت “المعداني” إلى تفاوت نسب انخراط المرأة الليبية في الحياة المدنية بين المدن، فالمرأة في الجنوب الليبي تعتبر أكثر انخراط مقارنة بمدن الشرق والغرب، فهي تتصدر أعلى النسب في كل من جالو، ودان، تراغن، مرزق بـ” 55%،53%، 40%، 36% ” على التوالي ويرجع ذلك إلى العادات والتقاليد داخل كل مدينة؛ فالمدن التي تشهد طابع قبلي عادةً ما تكون بها حركة المرأة وانخراطها بمنظمات المجتمع المدني مقيدة من حيث النظرة العامة حول المجتمع المدني وغياب الثقافة حول أهميته، بالإضافة إلى صعوبة تنقل المرأة داخل المدن وخارجها؛ فبعض المدن لم تشهد أي مشاركة تُذكر للمرأة في مجال المجتمع المدني كمدن الزنتان ومسلاتة والقبة بـ” 0.44%، 1.13%، 2.86% ” على التوالي.

وفي المقابل، تؤكد رئيس فريق السلام “مصراتة ـ تاورغاء” الأستاذة أسيا الشويهدي أن المرأة أي القوة الناعمة تستطيع التأثير من خلال الجهد الدؤوب والإصرار على الهدف.

وقالت: نستطيع أن نعدد الكثير من القضايا والأزمات التي اشتغلت عليها وكان لي فيها تأثير ملموس. فقد عملت ضمن فريق لحملة ب “ثلاثين نبنوها” كان لنا دور فاعل في الضغط على فريق الحوار السياسي لتبني مسألة الكوتا في الحكومة المزمع تشكيلها في هذا الشهر أو مطلع الشهر القادم. فضلاً على أن بعض الوزارات في حكومة الوفاق اقرت الكوتا وتم تفعيلها في المستويات الإدارية المختلفة، كما ساهمنا في الضغط على المجلس الرئاسي لتفعيل هيئة المفقودين وتسييل ميزانية لها، إضافة إلى الحملات المستمرة لتغيير الصورة النمطية السائدة عن المرأة ودفعها للمشاركة في الشأن العام وفي الفضاء العمومي. بصدق يغمر قلبي إحساس دائم بالسعادة لأننا خففنا من معاناة الكثير من المكلومين والمستضعفين والمضطهدين.

وأشار سالم المعداني إلى مسألة ربط عملية المصالحة في ليبيا بشيوخ القبائل وأعيان المدن، ويضيف: “هناك أمثلة رغم قلتها إلا إنها كانت مؤثرة على صعيد الإصلاح بين الليبيين، منها المصالحة بين مدينة مصراته وتاورغاء والتي بدأت بعدد أثنين من النساء الناشطات في المجتمع المدني من المدينتين، كانت خطوة ساهمت في تحريك الجمود وشجعت الراغبين في المصالحة من الطرفين على المشاركة، حيث أثمرت هذه الجهود على توقيع اتفاق المصالحة بين مصراتة وتاورغاء بعد أعوام طويلة من الصراع”.

وتخبرنا أسيا الشويهدي عن دورها في تلك المصالحة، فتقول: كان لي دور محوري في عودة الأهالي إلى تاورغاء من خلال جهود فريق السلام “مصراتة تاورغاء” ولولا تقاعس الدولة عن الإيفاء بالمهام المنوطة بها لكانت النتائج أفضل، أيضًا نظّمنا حملات الدعم النفسي للمناطق المتضررة من النزاعات، وشاركتنا في ذلك عديد المنظمات الدولية. وكان لها تأثير جميل.

نظرة شك

وقالت رئيس منظمة مسارات للسلام والتنمية الأستاذة ابتسام القصبي: بين العامين 2011و 2012، كانت النظرة للمرأة المنخرطة في العمل التطوعي يكتنفها الكثير من الاحترام والتقدير، وكان الجميع يشعر بالفخر تجاه عملنا، بعد ذلك لا ندري، ما الذي حدث؟ تبدلت النظرة وتحديدًا في منتصف العام 2013، عشنا حروبًا ضد عملنا في منظمات المجتمع المدني، أعتقد أن وراء ذلك التيارات المتأسلمة، لكن ورغم كل ما يحدث؛ فإن لديّ ثقة كبيرة في النساء الليبيات وقدرتهن على تغيير هذه النظرة.

ويشير “المعداني”، إلى أن نظرة المنظمات الأجنبية والدولية للمرأة الليبية بها الكثير من الثقة، هي شريك للعديد من المنظمات النسائية التي تنفذ من خلالها البرامج والمشاريع المشتركة في ليبيا، كما أن المنظمات الأجنبية والدولية التي تعتبر معايير التوظيف لديها تتطلب الكثير من المعرفة والمهارات، تعتمد بشكل أساسي على المرأة الليبية كموظفة وجزء من فرق العمل، لجودة عملها في تنفيذ وإدارة المشاريع وتنفيذ مهامها، فكيف بنا لا نضع الفرصة أمامها للمساهمة في بناء الدولة، والدولة اليوم في أمسّ الحاجة لاستثمار قدراتها.

وتقول “الشويهدي”:نحن في مجتمع يعيش أزمة. لذلك فإنه يعبر عن غضبة بنقد الجميع خاصة بعد خيبات الأمل المريرة؛ لكن العمل الجدي الرصين المنزه عن الهوى السياسي يلقى قبولاً مجتمعيًا ورسميًا، وولا اشك أن انخراط المرأة في الفضاء العام في مجتمع ذكوري يكتنفه الكثير من الصعوبات والأمر يزداد صعوبة عندما يكون المجتمع مدجج بالسلاح.
وتضيف: بالتأكيد انتزاع الاعتراف بالجدارة من المجتمع ليس بالأمر الهين. لكننا نراهن على الوطن، ونؤمن بضرورة أن يكون عزيزًا مهابًا ولا سبيل لذلك إلا بالديمقراطية التي أحد أهم أركانها “المجتمع المدني”.

اقتصاد وسياسة

وأشارت “القصبي”، إلى أن المرأة من أكثر فئات المجتمع التي قدمت في مجال العمل التطوعيـ ولكن من ناحية تحقيق الإنجازات، أقول إن مؤشر قياس الإنجاز لا يمكن أن يكون منظورًا، خاصة في المجتمعات الذكورية والثقافة فيها مغلقة تعتمد على العادات والتقاليد أكثر من الدين والعرف، ففكرة المجتمع المدني جديدة وانخراط عدد كبير من النساء في هذا المجال ما هو إلا مؤشر جيد على أن النساء في ليبيا شريحة فاعلة تسعى إلى تحقيق التغيير. وعن طريق هذه الشريحة؛ انبثقت برامج التنمية والتطوير وإغاثة النازحين، وتقديم الدعم للمهاجرين من الدول الأخرى.. كل ذلك كان يُدار بنظام وجدية.

وتابعت: بالنسبة للمشاركة السياسية كان للنساء كناخبات وعي بحق المشاركة السياسي، وتضيف: “وجود النساء في المجالس التشريعية في ليبيا بداية بالمؤتمر الوطني ومرورا بلجنة الستين وانتهاء بمجلس النواب. هذه المشاركة يعتبر انجاز بغض النظر عن مدى فاعلية وجودها. وجود النساء كان له انعكاسات على العديد من المواقع كوحدة تمكين المرأة والمحاولات المتعدة لاستحداث المجلس الأعلى للمرأة”.

وبحسب “القصبي”؛ فإن وجود نظام انتخابي يضمن تمثيل المرأة في المجالس المحلية والمجالس التشريعية، إلى جانب وتبني الأمم المتحدة في حوار تونس الأخير مبادرة ب “ثلاثين نبنوها” أي أن تكون نسبة وجود المرأة في كل السلطات والإدارات والمجالس بنسبة 30٪ ، خطوة مهمة.

وأفادت “القصبي”، أن المرأة تواجدت في مكان آخر وكان لها انجاز على أرض الواقع وهو مجال القطاع الخاص. اليوم أصبح لدينا ما يسمى بالمشاريع الصغرى والمتوسطة، وهنا نتحدث عن تنمية اليوم هي تنمية محلية، لكن بعد سنوات سيكون هناك منتج، بمعنى أن المرأة الليبية تساعد في رفع الإنتاج المحلي في البلاد، وهذا يدخل في نطاق التنمية المستدامة.

من جانبه، يرى “المعدني”، أن التمكين السياسي يعتبر أكثر القضايا التي شغلت اهتمام المرأة الليبية بعد العام 2011 ، والذي لقيت به الكثير من الدعم والمساندة من المنظمات الأجنبية والدولية، ولعلّ أول نجاحاتها في هذا المجال كان من خلال مجموعة من المنظمات النسائية التي نجحت في زيادة التمثيل السياسي للمرأة بمقاعد المؤتمر الوطني العام.

وتابع بالقول: لم يقلّ التمكين الاقتصادي أهمية عن التمكين السياسي، ومن أجل ذلك أسست المرأة الليبية العديد من منظمات التمكين الاقتصادي للمرأة، عملت من خلالها على دعم المشروعات النسائية خاصة للنساء ذات الدخل المحدود، وتقديم التدريبات في مجال ريادة الأعمال وأنشأت حاضنات الأعمال للحفاظ على استدامة المشاريع ونجاحها، وكانت سببًا في تحسين الوضع الاقتصادي للعديد من النسوة الطموحات، وذوات الدخل المحدود.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى