مقالات مختارة

المؤتمر الجامع من سيف ديموقليس إلى سرير بروكست وصخرة سيزيف

أبو القاسم قزيط

عند غياب المعلومة لا مناص من التخمين والتوقع والمقاربات، ليس تنجيما ولا رجما بالغيب، لأن المعطيات الليبية واضحة، والخيارات الدولية، يمكن توقّعها، ولا شكّ أن المؤتمر الجامع سيحاول تجاوز العثرات السابقة، لأنّه ليس المحاولة الأولى لاجتراح الحل السهل الصعب.

المؤتمر الجامع سيف ديموقليس:

ديموقليس في الحكاية كان خطيباً متزلفاً في بلاط ديونيسوس الثاني طاغية سيراقوسة في إيطاليا بالقرن الرابع ق.م. ومن تزلفه للملك، تعجب ديموقليس من أن رجلاً عظيم القوة والسلطة تحيط به العظمة، وفوق ذلك فهو محظوظ جداً. فعرض ديونيسيوس على ديموقليس أن يتبادلا مكانيهما، حتى يتذوق ديموقليس بنفسه حظ الملك. فسارع ديموقليس على الفور بقبول عرض الملك. وجلس ديموقليس على عرش الملك محاطاً بكل الجاه والأبهة، إلا أن ديونيسيوس رتب أن يعلق سيف فوق العرش، مربوط من طرفه بشعرة واحدة من ذيل حصان. فما أن استوعب ديموقليس ذلك، حتى ترجى الملك أن يسمح له بترك العرش، لأنه لم يعد يتمنى أن يكون محظوظاً بتلك الدرجة.

وهكذا نجح ديونيسيوس في نقل شعور الخوف الدائم الذي يعيش فيه الرجل العظيم. وأصبحت الأسطورة تعبر عن الشعور بالخوف الذي يقض مضجع السياسين.

قد يكون أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة السوربون يستخدم المؤتمر الجامع، أو سيف ديموقليس، لإخافة مجلس الدولة ومجلس النواب، ودفعهم للقيام بواجبهم السياسي والأخلاقي، الذي تخلّوا عنه بشكل مُخجل، فبات واضحا للسيد سلامة، أن لا شي يحرك هذه الأجسام المتخشبة إلا الخوف من الفناء والعدم السياسي، الذي هو شبه محتوم للساسة في الجسمين بعد أن فقدوا مصداقيتهم، لذلك لا شي يدفعهم لإنهاء هذه المرحلة إلا الخوف من الموت المفاجئ بالمؤتمر الجامع.

في تقديري إن هذا الخيار أساسي للسيد سلامة لأنّه لو استطاع دفع الجسمين للقيام بما يلزم يكون تخلص من كافة الإشكالات القانونية التي ستكتنف لا محالة المؤتمر الجامع فما سيصدر عنه لا يمكن أن يكون له وجها قانونيا أمام المحاكم الليبية، فضلا عن خطورة أن تختار البعثة من يقرر مصير الليبين، هذا الطرح إذا حقق الهدف يكون لسان سلامة ناطقا بقوله تعالى في سورة الأحزاب (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ).

المؤتمر الجامع سرير بروكرست :

حسب الأسطورة فإنّ بروكرست هو ابن بوسيدون، وكان معقله الحصين في جبل كوريدالوس الموجود على الطريق بين أثينا وإلفسينا. حيث كان يملك سريراً حديدياً، يقوم بروكرست بدعوة أيّ مسافر مارّ ليحسن ضيافته ويدعوه إلى النوم في هذا السرير، وكان بروكرست مهووسا بأهميّة أن يناسب طول الضيف السرير، فإذا كان الضيف أطول من السرير قام بركرست بقطع أرجله ليتناسب مع السرير، وإذا كان أقصر من السرير مطّ جسم الضحية حتى تتكسر مفاصله حتى يساوي جسمه السرير بالضبط. استمر بروكرست بجرائمه المروعة حتى ألقى القبض عليه ثيسيوس وأخضعه لنفس ما أخضع له ضحاياه، حيث أنامه على سريره وقطع رأسه ليتلاءم مع طول السرير.

يطلق لفظ البروكرستية على نزعة “فرض قوالب” على الأشياء (الأشخاص أو الأفكار) أو على الحقائق أو تشويه المعطيات لكي تتناسب قسراً مع مخطط ذهني مسبق.

إذا لم تفلح المقاربة الأولى فلا شك أن مقاربة أخرى ستفرض نفسها هي مقاربة بروكرست، هذه المقاربة بحاجة إلى دعم سياسي فوق العادة يُلزم الأطراف المختلفة في ليبيا، بل الأطراف الإقليمية، وحتى بعض الدول الكبرى، بالحل، لا أحد قادر على فرض حل معين هو حل بروكرست بالنسبة لبعض الأطراف المحلية والدولية، وربما حتى بالنسبة لقطاع واسع من الليبين إلا دخول سيد البيت الأبيض على الخط، ولا يبدو أن ذلك حاصل لغاية اليوم، لكنه غير مستبعد.

المؤتمر الجامع صخرة سيزيف:

هي واحدة من الأساطير الإغريقية التي اشتهرت في اليونان القديمة وتعد شخصية سيزيف بطل الأسطورة من أكثر الشخصيات مكرًا ودهاءً، إذ استطاع أن يخدع إله الموت ثاناتوس مما أدى إلى غضب زيوس كبير الآلهة، فقرر معاقبته عقاب اللاجدوى، وهو أن يحمل صخرة كبيرة من أسفل الجبل حتى يصل إلى أعلاه، فإن وصل للقمة تدحرجت منه ثانيةً لتستقر بقاع الوادي، فيعود مرة أخرى إلى رفعها للقمة ويظل يعمل هكذا دون هدف حتى الأبد، ليكون ما يحدث لسيزيف هو رمز للعذاب الأبدي الذي لا يتوقف.

إذاً هناك ثلاثة احتمالاتٍ؛ الأول هو دفع الليبيّين إلى الحل وهو ما استعنا بأسطورة سيف ديموقليس لشرحه وتفسيره.

الاحتمال الثاني فرض الدول الكبرى لحلّ، سيكون في صالحها قبل أن يكون في صالح الليبيّين، مهما سمعنا من الكلام الطيب منها ومن البعثة.

أمَّا الخيار الثالث هو خيار اللا حل، ويكون المؤتمر الجامع محاولة كسابقاتها للحل لكن محكوم عليها بالفشل مسبقا، وهو ما تشرحه أسطورة صخرة سيزيف، ويكون حلقة جديدة شبيها باتفاق الصخيرات.

لا جدال في أنّي أتمنى أن تؤدّي رهبة وسحر سيف ديموقليس المهمّة المطلوبة فهذا السيناريو هو الأفضل في كل الأحوال.

والشيء المرُّ هو أنّ الواقع الليبي أصبحَ عصيّاً على التفسير فاستعنَّا بالأساطير لتفسيره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى