مقالات مختارة

الكوابيس المحتملة اليوم

حازم صاغية
ليس كاتب هذه الأسطر داعية تشاؤم، كما أنه ليس أيضاً مولعاً بتيئيس القراء أو دفعهم إلى الإحباط. مع ذلك، من واجبات الكاتب إشعار القارئ بطبيعة المرحلة التي تُعاش، وتنبيهه إلى ما قد تنطوي عليه من مخاطر وتحدّيات.
وفي هذا المعنى، يصعب على من يتناول واقع العالم اليوم -مع صعود الشعبويّات القومية ووصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية- أن يتجنب الكلام الحذر والصور السوداء. فالآفاق الكونية ملبدة بغيوم لم نرَ مثلها منذ عشرات السنين. وقد يكفي أن نتخيل، في هذه العجالة، بعض السيناريوهات الكارثية التي كانت لتبدو، قبل عامين فقط، من صنع الخيال وحده، إلا أنها تقع اليوم في حقل الممكن:
فلنتخيل، مثلاً، أن يتأدى عن تصاعد اللغة العنصرية في الولايات المتحدة الأميركية، مصحوباً بانتشار السلاح الفردي هناك (وهو ما أعلن دونالد ترامب في حملته الانتخابية تمسكه به)، شيوع أعمال قتل وانتقام يُنزلها بيض بسود أو سود ببيض، أو أفراد وجماعات من أية فئة إثنية أو دينية بأفراد وجماعات من فئة أخرى. ولنتصوّر كيف يمكن لأمر كهذا أن يتطور في ظل الخلفية التاريخية المعروفة.
أو لنتخيل حرباً تجارية تقع بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، أو بين بريطانيا -التي انسحبت من الاتحاد الأوروبي مؤخراً- وباقي أوروبا، مع ما قد يستجره ذلك من مواجهات عسكرية كانت حتى وقت قصير مستبعدة جدّاً، بل أقرب إلى الخرافة.
أو لنتخيل كيف ستغدو الحياة في تعرضها للتصحر ولجنون الطبيعة المطلق، بنتيجة التنصل الأميركي في عهد ترامب من اتفاقات مؤتمر باريس الأخيرة، والنكوص بالتالي عن مواجهة تسخين الأرض وما تتسبب به من نتائج كارثية على الأرض والبشر.
أو لنتخيل إفضاء الانتخابات الفرنسية والهولندية الوشيكة إلى انهيار الاتحاد الأوروبي، بوصفه أول تجاوز في التاريخ للدولة- الأمة يتحقق بالإرادة الطوعية والديموقراطية للمواطنين أنفسهم. ونتيجةٌ كهذه ستجد ما يعززها في استفتاء «بريكسيت» البريطاني، كما في أزمة اقتصادية لم تتعاف منها «القارّة العجوز»، على ما تدلّ أوضاع اليونان واحتمالات انهيار القطاع المصرفي في إيطاليا.
أو لنتخيل أخيراً، وهذا ما يعنينا على نحو مباشر، تحول البحر الأبيض المتوسط، الذي طويلاً ما اعتُبر بحيرة سلام وتبادل وحوار، إلى بحيرة حرب بين «العالم المسلم» في الجنوب و«العالم المسيحي» في الشمال، تحت وطأة العداء المتنامي للمسلمين وللهجرة واللجوء في مقابل تنامي التطرف والإرهاب التكفيري…
هذه الفرضيات الكابوسية الممكنة وغيرها كافية لإقناعنا بالمخاطر المترتبة على صعود اليمين الشعبوي والقومي في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية سواء بسواء، وعلى احتلال مسألة «الهوية» الموقع المركزيّ في السياسة والأفكار، فضلاً عن العواطف. وهي فرضيات إنما تحض على التفكير بالعالم من منظور كوني لم يعد يستطيع أن يتجنبه، بعد اليوم، أي تفكير محلي أو انعزالي، وذلك تمهيداً لتأسيس رد كوني على هذا التحدي الذي يطال كل أمم الكون وشعوبه من دون استثناء.
صحيح أن الرد على التحدي الشعبوي والقومي الراهن تواجهه صعوبة لم توجد إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، ألا وهي ضعف المرجعية الديمقراطية وتصدعها، لاسيما بعد انتخاب ترامب، وفي ظل التقارب المرجّح بين واشنطن الترامبية وموسكو البوتينية، وربما باريس- فيّون في غد قريب، حيث ترتفع أعلام الشعبوية القومية في هذه العواصم جميعاً. بيد أن الإنسانية التقدمية -وكائنة ما كانت الصعوبات- لا تملك إلا أن تقاوم هذا الخطر على إنسانيتها. وغني عن القول إن الشعوب العربية معنيّة بالأمر، مثلها مثل باقي شعوب العالم، ما دامت شريكة في هذه الإنسانيّة التي تواجه الخطر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الحياة” اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى