اهم الاخبارمقالات

الكل يتحدث العربية!

حسين شبكشي

لعل أول اهتمام بتوصيل الإعلام الغربي بنسخة «معربة» إلى العالم العربي كان عن طريق إذاعتي الـ«بي بي سي» و«صوت أميركا»، وهما المحطتان اللتان كانتا تلقى برامجهما المتابعة العريضة ومصداقية من نوع «خاص» للأخبار والمعلومات المنقولة. ثم جاءت محطة الـ«بي بي سي» عربية والتي بثت في التسعينات الميلادية للمنطقة عقب اكتشافها لتأثير الإعلام الغربي على المنطقة العربية بعد تغطية الـ«سي إن إن» لأحداث تحرير الكويت من الغزو العراقي (وإن كان ذلك باللغة الإنجليزية)، ثم أطلقت بعدها مجموعة محطات بالعربية مثل «الجزيرة» و«العربية»، ولكن على ما يبدو اليوم نعيش فترة انتشار المحطات الفضائية العالمية الموجهة باللغة العربية إلى العالم العربي.
قامت الحكومة الأميركية بإطلاق قناة «الحرة» لمحاولة التواصل مع العالم العربي وصرفت عليها ولا تزال مبالغ كبيرة ومهمة، فهناك تجربة «فرانس 24» وهي محطة مدعومة من الحكومة الفرنسية بشكل واضح وتركز على المناطق التي لها نفوذ تاريخي فيها وقديم مثل الهلال الخصيب وشمال أفريقيا، وهناك محطة «روسيا اليوم» التي غيرت اسمها رسمياً إلى «آر تي»، وهي محطة ذات نفوذ معنوي مثير للجدل، فهي أخذت مواقف «عجيبة» في تأييدها لنظام طاغية كبشار الأسد وروجت لأقاويل و«شهود» لدعم نظامه، وهي تدعم باستمرار وجهات نظر وسياسات مناهضة تماماً للغرب عموماً وللولايات المتحدة تحديداً.
كذلك أطلقت الصين مجموعة محطات موجهة باللغة العربية، وأيضاً فعلت تركيا وكوريا الجنوبية، ويشعر اليابانيون بعجز كبير وخجل أكبر تجاه حراك الصين وكوريا الجنوبية الإعلامي والثقافي العربي وذلك حماية لمصالحهما الاقتصادية المتنامية في المنطقة، بينما يتخلف اليابانيون في هذه المسألة وهم من كانت لهم الأسبقية والأولوية للتعامل الاقتصادي مع العالم العربي.
وعلى صعيد المبادرات الخاصة هناك «سكاي نيوز» التي أطلقت محطتها باللغة العربية بنجاح لافت، ويوجد حديث عن نسخة لمحطة «فوكس» باللغة العربية. ولا تزال محطة «سي إن إن» عربية قيد الدراسة، إذ اكتفت المحطة حتى الآن بموقع إخباري بالعربية، وبعد نجاح محطة «سي إن بي سي» عربية المتخصصة في الشأن الاقتصادي، تفكر محطة «بلومبيرغ» في محطة خاصة بالعالم العربي هي الأخرى.
هذا الكم الهائل من الاهتمام «العالمي» بتوجيه محطات فضائية نحو منطقة هائلة في تعدادها السكاني وإمكانياتها الاقتصادية، يأتي أيضاً لملء فراغ مهني وتشريعي لدى البعض في مساحات الحرية للكلمة والصورة والحرف المكتوب باحتراف للمتلقي، وبالتالي هي فرصة ضاعت بسبب عدم تقدير حقيقي لأهمية الإعلام في منظومة تطوير الأمر.
ليس جديداً اهتمام الدول غير العربية بتوجه إعلامهم بالعربية للمنطقة، فهناك محاولات «خبيثة» أطلقت من قبل إسرائيل وإيران، وذلك لأهداف سياسية وطائفية بات معروفاً غرضها، ولكن هناك المزيد من الإقبال المتوقع على الإعلام المطلق باللغة العربية… هناك الحديث عن محطات باللغة الإسبانية وأخرى باللغة البرتغالية وكلتا المحطتين لهما أهداف لمخاطبة جاليات المهجر، بالإضافة إلى وجود مشاريع لمحطات أسترالية وكندية موجهة للعالم العربي.
فجأة أصبح العالم العربي هو نكهة الشهر وطبق اليوم على لائحة الاهتمام الأول. في النهاية هي جسور للتواصل بين الأمم والشعوب لملء الفراغ الذي تحتكره قوى الجهل والتطرف ولذلك لم أستغرب أبداً ما سمعت مؤخراً من أن الهند ترى نفسها الأحق بالاهتمام بالعالم العربي وتتحدث مع مجموعات نافذة لإطلاق محطة عربية كبرى موجهة من الهند، بعد أن تشبع العالم العربي من مطبخها وموسيقاها وأفلامها.
عالم يتغير وأطباق لاقطة تندثر ليكون هاتفنا هو المستقبل والمستقبل لكل ما هو آت.

____________________

صحيفة الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى