أخبار ليبيااهم الاخبار

“القدّيد”.. تقنيةٌ من الماضي لحلّ أزمات الحاضر

خاص 218

أحلام المهدي

الحرب دمارٌ محض، هذا ما لن يختلف عليه اثنان، لكن للصراعات المسلحة الكثيرة والطويلة التي اجتاحت ليبيا منذ “2011” قواعد تختلف كثيرا عن غيرها، فكل ماحدث كان فيه الفاعل والمفعول به ليبيّين، لذلك ألم الحرب مضاعف، وحزنها مضاعف، لكنّنا سنضع كل هذا جانبا الآن لنتحدّث عن هزّات أحدثتها الحرب في المجتمع الليبي يعتبرها البعض “إيجابية” رغم أنها لم تكن اختيارا من أحد بقدر ما فرضتها الظروف الطارئة على الليبيين.

لقد قلّصت أزمة الكهرباء دور “الثلاجات”، وأعادت إلى الواجهة البراميل البلاستيكية التي يتم تغليفها بقماش “الخيش” القاسي الذي تحتفظ أليافه الدقيقة المفتولة بعناية بالماء ورطوبته، فتنقلها إلى الماء في الداخل، ليظل باردا طالما احتفظ “الخيش” بالرطوبة، وكذلك فقد عادت الجَرّات “البرّادات” الفخارية لتلعب دورا أساسيا في هذا الأمر، بعد أن تمّ ركنها في واجهات خزانات المطابخ للزينة.

اشتركت أيضا أزمة الكهرباء وأزمة السيولة في إعادة المكانة المرموقة التي كان يحظى بها “القدّيد” إليه، فلا النقود التي كانت تشتري اللحم موجودة، ولا المجمّدات التي كانت تخزنه بكميات كبيرة وجدت الطاقة التي تُشغّلها أيضا، لتستعير الليبيات تقنية جدّاتهن في الاحتفاظ باللحم دون أي دعمٍ إلكتروني قد تتحكّم فيه الظروف.

القدّيدمعظم الشعوب عرفت وابتكرت طرقا لحفظ اللحوم، أو ما يُعرف باللحم المُجفّف، وقد لا يخلو أي سوبرماركت حتى اليوم وفي أكبر المدن في العالم من اللحوم المجففة بأنواعها، لكن “القدّيد” أو “القريش” كما يعرفه الليبيون تراجع كثيرا في فترة ما ليعود بقوة بدعمٍ من الظروف الاقتصادية الصعبة التي طرأت على المجتمع الليبي، ولأن بعض العائلات الليبية تنازلت عن اللحوم في وجباتها اليومية فإن “العيد الكبير” سيكون فرصة لتزويد المطبخ بحاجته منها، وسيُطيل التجفيف عمر اللحوم، إذ إن انقطاع الكهرباء يجعل الاحتفاظ بها على حالها في المجمدات مستحيلا، لذلك تستحضر الليبيات أساليب جداتهن في حربهن على الظروف المختلفة.

وبعد “حوش الحفر” و”مروحة السّعف” و”ثلاجة الخيش”، يبدو أن قائمة استعاراتنا من الأجداد ستطول، بعد أن أجبرتنا الظروف على العودة إلى بيوتهم المتواضعة، ووضع لمساتهم البسيطة الجميلة على كل ما نأكله ونشربه، دعوا ثلاجاتكم جانبا إذا، واستمتعوا بلذّة طعام الجدّات، فعِلّة إعداده قد تكفّلت الظروف بتوفيرها، حتى أنهن تفوّقن علينا باستعمال الأواني الفخارية في حفظه، فاستعملن “الزير” أو “الخابية” الفخاريين، بينما اكتفت الحفيدات برصّه في وعاءٍ بلاستيكي، أو زجاجيّ في أحسن الأحوال، ليكون سلاحهن الفتّاك في وجه الظروف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى