حياة

العنف الرقمي ضد النساء: ابتزاز وتشهير، وعواقب جسدية ونفسية  

218| خلود الفلاح 

تروي ” س، ع”، وهي ثلاثينية حكاية ابتزازها من قبل زميل لها في العمل بعد الدخول في علاقة عاطفية أدت الى تبادل الصور الخاصة وصورها في إحدى المناسبات الاجتماعية وغيرها، وتضيف: علم أخي بالأمر وكانت النتيجة الضرب والحرمان من العمل، وتوقف مناقشتي للماجستير. وكم من مرة فكرت في الانتحار.

 

تعرضت ” خ، ز”، للكثير من المضايقات الالكترونية مرة بإرسال رسائل غرامية وكلمات غير لائقة ودعوات للسفر لقضاء بعض الوقت للمتعة في تونس أو مصر، وأضافت: أيضا هناك من يرسل صورته في وضع يثير الاشمئزاز، وعندما أخبرت صديقة بذلك اعتبرتني مذنبة، ذلك أن نشر صوري الشخصية هو السبب في ذلك الاذى. قررت إلغاء حسابي على الفيس بوك وتويتر وأنشئت صفحة وهمية.

 

قالت “م، أ”، تصلني عبارات غير لائقة وأحيانا يتم الاتصال عبر تقنية الفيديو في الماسنجر في ساعات متأخرة من الليل من حسابات لا أعرفها، وأذكر مرة أني كتبت رأيي بصراحة في مسألة ما في إحدى القروبات.

لاتفاجأ بأحدهم يكتب في صفحتي وعلى العام بأني امرأة تستحق القتل، ويضع صورا غير أخلاقية ولم اكتشف الأمر إلا عندما اتصلت بي صديقة لتنبيهي، ليضعني زوجي أمام خيارين الطلاق أو قفل الحساب.

مضايقات الكترونية 

يُعرّف العنف الرقمي ضد النساء، بأنه جزء من العنف الموجه ضدَ المرأة في الواقع، ويتضمن مجموعة من الأفعال العنيفة القائمة على النوع الاجتماعي والتي ترتكب أو تحرض أو تتفاقم باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كالهاتف والإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، ويشمل هذا النوع من العنف التتبع الإلكتروني، التحرش الإلكتروني، خطاب الكراهية.

منظومة رقمية

 

هل تعتمد ليبيا أيّ قوانين تجرّم تحديداً العنف الالكتروني ضد المرأة؟ أوضحت المحامية الليبية نيفين الباح أن ليبيا لا تعتمد قوانين تجرم العنف الإلكتروني الذي تتعرض له المرأة مهما تسبب لها من أذى بكل أسف. لافتة: هذا النوع من الجرائم المتطورة لا توجد بشأنها نصوص قانونية توفر الحماية للمرأة. مع ملاحظة أن الأمر لا يتعلق بحماية النوع الاجتماعي أو الجندر بل يطال الجميع على حد سواء. بالتالي يفلت الجاني من العقاب ولا يمكن ملاحقته عن طريق السلطات الرسمية.

وتضيف: “هذه الأفعال مجرمة أستناد على أحد أهم القواعد أو المبادئ العامة للقانون والمتعارف عليه في النظم القانونية الدولية والوطنية والتي نصت عليها أغلب دساتير العالم، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة في ديسمبر 1948م”.

ونسألها، كيف يمكن حماية النساء الليبيات من العنف الرقمي؟ كان ردها: إنشاء منظومة رقمية أو موقع الكتروني تابع للجهات الأمنية المختصة يلتزم بالخصوصية للتبليغ عن الجرائم الالكترونية ومساندة الضحية فيما تتعرض له.

وعلى جانب آخر ـ تتابع الحقوقية والباحثة في النوع الاجتماعي حنين بوشوشة ـ العنف الالكتروني يعد شكل من أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي أي انه تمييز ضد المرأة وموجه إليها. أحيانا يكون بإساءات لفظية واباحية وجنسية ونشر صور وتلفيق تهم وتهديد وقد يصل إلى التحريض على القتل خاصة للنساء في المجال السياسي والحقوقي والشواهد كثيرة في ليبيا. حتى أن لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة من بداية هذا العام 2021، ركزت على العنف ضد المرأة في المجال السياسي.

وبحسب “بوشوشة”، مستويات العنف الالكتروني في ليبيا تعد مرتفعة جدا، إذا أخذنا في الاعتبار عدد النساء اللاتي يتعرضن له يوميا في كافة المجالات. متمثلا في التنمر، والسب، والقذف، ابتزاز وتحرش جنسي، اتهامات، وتهديد بالقتل.

تقول الكاتبة التونسية خولة الفرشيشي: جميع النساء معرضات للعنف الإلكتروني ويعود هذا إلى هيمنة الثقافة الذكورية على مجتمعنا وهو ما يجعل كل النساء مهددات ولكن هناك فئات منهن مهددات للعنف أكثر مثل الناشطات في المجتمع المدني وفي السياسة والصحفيات وطبعا المثليات فهن قد خرجن عن ترسيمات الهيمنة الذكورية.

يجب في البداية أن نفهم مكانيزمات الثقافة الذكورية التي جعلت المرأة دائما في محل المتهم وهو ما يعيق نضالها في فضح الممارسات الذكورية من رجال ونساء على السواء فالأغلب سيدينها المجتمع أما لسلوكها أو لباسها وسيبرر العنف الذي طالها بأنه عقاب وليس جريمة.

وتضيف: ” يعتمد العنف الإلكتروني على أساليب الهرسلة والتشويه ويسعى إلى عزل الضحية اجتماعيا وهو يرقى إلى خطاب الكراهية وضحيته في تونس الشهيد الرمز شكري بلعيد”.

وتعتقد “الفرشيشي”، العنف الالكتروني أول أبواب الجريمة في الواقع، فهو يملأ ذهن وعواطف الناس بالكره تجاه المستهدف خاصة إن كانت له مواقف نقدية ضد الدين أو الأقليات الجنسية وهو ما يجعله في موضع المرتد فيتم وأده معنويا على الصفحات الافتراضية فيما ينتظر أحدهم فرصة وأده واقعيا.

خطاب كراهية

وتذهب “بوشوشة”، إلى أن تعريف خطاب الكراهية يبدو فضفاضا للبعض إلا أن محدداته واضحة. بشكل بسيط هو كل تعبير أو لفظ أو قول تمييزي تجاه أشخاص أو جماعات على أساس جانب محدد من هويتهم، أي إنه عنصري واقصائي، وتلفت بوشوشة إلى أن هذا النوع من العنف في حد ذاته نموذج واضح لخطاب الكراهية والتحريض. موضحة “وسائل الإعلام والصحافة الإلكترونية تستعمل هذا الخطاب كنوع من الدعابة باستخدام بعض الصور النمطية وإطلاق نكات عن المرأة في المجتمع وهو ما يجب مراجعته من قبل مجلس إدارة هذه المؤسسات وإدراج مفهوم النوع الاجتماعي ضمن السياسة التحريرية لها. هذا ما نحتاجه في كافة نواحي الحياة في المدارس والجامعات وفي العمل السياسي ومنصات التواصل الاجتماعي”.

وتتابع أنه بحسب دراسة أخيرة لمنظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، فإن شريحة واسعة من النساء تتعرض للعنف الالكتروني بشكل يومي وهو لا يقل خطورة عن العنف ضد المرأة خارج الفضاء الالكتروني.

وأفادت “الفرشيشي”، في هذا الصدد “أن نسبة كبيرة من النساء التونسيات يتعرضن إلى العنف الإلكتروني بشكل منفرد وآخر منظم. فمثلا يمكن أن يطال العنف ناشطة سياسية وينخرط في حملة العنف أنصار أحزاب تعارض آراء الناشطة وهو ما يجعل عملية العنف جماعية والمناهضين لها في موضع الأقلية. فيما تتعرض الناشطات في المجتمع المدني إلى حملات كراهية منظمة تغذيها الثقافة الذكورية خاصة إن اختلف مظهر المرأة عن القالب العام أو أنها تنشط في مسألة الأقليات الجنسية باعتبارها مجموعة موصومة تهدد البناء الاجتماعي العام وهو ما يجعلها عرضة للتنمر والأذى افتراضا وواقعا لا سيما الكويريات والعابرات جنسيا. مثلا أصبحت جمعية النساء الديمقراطيات مسبة لدى المحافظين وتتعرض عضواتها إلى التنمر باعتبارهن يطالبن بالمساواة الفعلية بين الرجال والنساء”.

وتستحضر الفرشيشي الناشطة الحقوقية الراحلة لينا بن مهني التي تعرضت إلى أشرس حملات العنف الالكتروني لمواقفها التقدمية وكان أشرس تلك الحملات بعد ترشحها لجائزة نوبل. إلا أنها لم ترضخ وواصلت مسيرتها إلى آخر لحظة في حياتها.

المنظومة الذكورية

تحدثت حنين بوشوشة”، عن خجل الكثير من النساء في التبليغ عن الأذى الإلكتروني لعدة أسباب من ضمنها أن الدولة لا تمتلك الإرادة السياسية للاعتراف بالجرائم الالكترونية ضد أي فرد في المجتمع. إذا لا توجد أي جهة شرطية في البلاد أو نيابة تختص بالجرائم الالكترونية، وأيضا بعثة تقصي الحقائق التي أنشئت بموجب القرار4339، الصادر عن مجلس حقوق الإنسان من مهامها التحقيق في العنف الالكتروني ضد المرأة وتحديد مرتكبيه وإخضاعهم للمساءلة، لكن إلى الآن لا نرى أي تحرك في هذا الاتجاه. وعلى سبيل المثال هناك نشطاء كثر تم التحريض عليهم بالقتل والخطف.

وتتابع: من أهداف التنمية المستدامة المساواة بين الجنسين وقرار الأمم المتحدة 1325، حول المرأة والأمن والسلام وكل القرارات التابعة له تمنع أي نوع من أنواع العنف، وفي ليبيا إلى هذه اللحظة ليس لديها خطة وطنية لتنفيذ القرار 1325، في ظل هذه الفوضى.

وأخيرا، المنظومة الاجتماعية في المجتمع الليبي تعتبر قيام المرأة بالتبليغ عن التحرش أو عنف تعرضت له يعد جريمة في حد ذاته ويجرمها المجتمع والعرف لذلك تتحاشى النساء عن مسألة التبليغ عن الأذى.

وفي المقابل، أشارت خولة الفرشيشي إلى أن النساء التونسيات ضحايا التحرر الذي ترفضه العقلية المحافظة وهو ما يجعل النساء في موضع المتهمات دائما. هذا التحرر الذي بدأ باكرا منذ الاستعمار الفرنسي والذي رسخته الدولة الوطنية في مشرعها مجلة الأحوال الشخصية. ويعود هذا أساسا إلى أن عملية التحرر كانت قسرية ألزمت العقلية المتكلسة بقبول خروج النساء إلى الدراسة والعمل ورفض التعدد وصولا إلى مناقشة الحق في المساواة في الميراث في السنوات الأخيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى