مقالات

العنصرية أقصر طريق للأصولية

إميل أمين

إميل أمين هل باتت مشاهد العنصرية في التجربة الأميركية خلال الأسابيع التي أعقبت فوز الرئيس دونالد ترامب أداة قوية في إذكاء نيران الأصولية؟ أحدث فصول القرارات العشوائية الأميركية التي تصب الزيت على نيران الأصولية كشفت عنه مؤخراً مصادر مقربة من إدارة الرئيس أوباما لوكالة «رويترز»، ويتصل بنوايا إدارة الرئيس ترامب تغيير وإعادة تسمية برنامج للحكومة الأميركية يهدف إلى مكافحة الأيديولوجيات العنيفة حتى يركز فقط على التشدد الإسلامي. البرنامج المشار إليه يحمل اسم «برنامج مكافحة التطرف العنيف»، والتطرف في واقع الحال في الداخل الأميركي لا يتوقف عند حدود جماعة عرقية بذاتها، أو أتباع دين معين، وهناك من الجماعات البيضاء الأنجلوساكونية البروتستانت الكثيرين من الذين يؤمنون بالعنف، وهؤلاء منتشرون في طول البلاد وعرضها. تذهب إدارة ترامب إلى تغيير اسم هذا البرنامج ليضحى «مكافحة التشدد الإسلامي»، أو مكافحة التشدد الإسلامي المتطرف، وبهذا لن يستهدف البرنامج فيما بعد الجماعات التي تؤمن بتفوق الرجل الأبيض، وحتى وإن أحرق المؤمنين من المسيحيين الأميركيين الأفارقة، كما فعل الشاب الأميركي الأبيض «ديلان روف»، ذي الواحد والعشرين عاماً، في شهر يونيو من عام 2015 عندما فتح نيران سلاحه الأتوماتيكي على المصلين في كنيسة للسود في مدينة «تشارلستون» بولاية كارولينا الجنوبية. لم تتوقف الإدارة الأميركية الحالية عند الأصوات الأميركية الشعبية أو الرسمية التي ترى أن مثل هذا التوجه يعطي الوازع والمبرر لـ«الدواعش» و«القاعديين» ولكل الجماعات الموسومة والموصومة بالإرهاب الفعلي، للمزيد من الغلو والتطرف، فتغيير اسم البرنامج على هذا النحو، يجعل عمل الحكومة الأميركية أكثر صعوبة مع المسلمين الذين هم في غالب الأمر مترددون بالفعل في الوثوق بالإدارة الجديدة، بعد قرار ترامب التنفيذي الأخير، الأمر الذي حث أعضاء «ديمقراطيين» في مجلس الشيوخ لمناداة الإدارة الحالية بإعادة النظر في المقترح، ولهذا كتب السيناتور «كوري بوكر»، والسيناتور «بريان شاتز» مع 10 أعضاء آخرين بمجلس الشيوخ خطاباً موجهاً للوزراء في حكومة ترامب غير المكتملة حتى الساعة، يشيرون فيه إلى أن تغيير الاسم على هذا النحو «سيلحق ضرراً بالغاً بمصداقية الولايات المتحدة مع الحلفاء الأجانب ومع الشركاء في العالم الإسلامي». كيف يمكن لـ «داعش» أن تقتنص هذه الفرصة الذهبية بالنسبة لهم لتعزز من قناعات مريديها في الداخل والخارج وهذه هي الكارثة وليست الحادثة؟ كانت مجلة «فورين أفيرز» الأميركية الشهيرة قد أفردت ملفاً كاملاً في سبتمبر المنصرم، وتساءلت فيه: هل تتوق «داعش» بالفعل لأن يصل ترامب إلى الحكم؟ التقرير المطول خلاصته الحقيقية في أربع نقاط وهي: أولاً- إن الثنائية الجبرية التي يقول بها ترامب عن الأخيار والأشرار، تُذكر العالم بخطاب بوش الابن غداة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهذا أمر ترحب به «داعش»؛ إذ يعزز رواية التنظيم عن عالم ثنائي القطبية، الغرب فيه ولا محالة ذاهب إلى الحرب مع الإسلام، وعلى هذا الأساس، لابد من الاستعداد لملاقاة الذين يتوضؤون بالدماء. ثانياً: علق «داعش» مبكراً الكثير من الآمال على أن أخطاء ترامب المرتكبة من خلال القرارات الرئاسية، سوف تدفع الموالين للتنظيم عقائدياً في أوروبا وأميركا للانخراط في عمليات إرهابية في البلاد والمدن الصغيرة التي يعيشون فيها، ما يعني إحياء نظرية «الذئاب المنفردة»، بل والتمكين لها في الحال وفي المستقبل. ثالثاً: يراهن أنصار «داعش» على أن قرارات ترامب لن تتم بأي مسحة من العقلانية أو الموضوعية، وبذلك تعيش أميركا حالة من عدم الاستقرار التي تؤثر حتماً وحكماً على مكانها ومكانتها الدولية بالسلب، والاختصام من هيبتها ونفوذها الدوليين، وبذلك يتحقق للتنظيم هدف من أهدافه، أي زعزعة استقرار الغرب بداية من أوروبا العاجزة، وصولاً إلى أميركا المترددة. رابعاً: يرى أنصار «داعش» أن وصول ترامب إلى سدة الحكم، ربما يعني بصورة أو بأخرى أن هناك مجالاً لإحياء مجابهة الموقعة الأخيرة، أي معركة نهاية العالم، فاليمين الأصولي الأميركي يؤمن إيماناً ثابتاً لا يلين بأن موقعة «هرمجدون» لابد لها وأن تحدث، وفي المقابل يوقن «الدواعش» بأن المعركة النهائية للعالم لابد أن تجري بها المقادير في مدينة دابق شمال سوريا وفيها ستنتصر الخلافة بشكل حاسم على أعدائها، وبهذا يكون ترامب الذي يفضل «القوة الخشنة» هو الخيار الأنسب والأقوم لتهيئة الساحة العالمية للنهايات الصدامية المأساوية، الكامنة في العقول الأصولية شرقاً وغرباً. أمر مزعج عندما تقوم إدارة رئيس دولة تفاخر وتجاهر بأنها «مدينة فوق جبل» بتبني فكر المساواة بين الإسلام والإرهاب، والأكثر إزعاجاً أنها إدارة تمهد بذلك الطريق لحرب ثقافية، لا مصلحة لأي جهة فيها، والقول بالحفاظ على أمن البلاد أمر لا ينكره أحد على الأميركيين، لكن ما نراه حتى الساعة له مردودات عكسية، المستفيد الوحيد منها المتطرفون في كل مكان حول البسيطة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الاتحاد” الإماراتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى